«الدين»،ليس كلمات تقال باللسان وليس كتبا تقرأ وترتل وليس صفة تورث وتدعى. إنما الدين منهج حياة. منهج يشمل العقيدة المستسرة في الضمير، والعبادة الممثلة في الشعائر، والعبادة التي تتمثل في إقامة نظام الحياة كلها على أساس هذا المنهج .. ولما لم يكن أهل الكتاب يقيمون الدين على قواعده هذه، فقد كلف «الرسول» - صلى الله عليه وسلم - أن يواجههم بأنهم ليسوا على دين وليسوا على شيء أصلا من هذا القبيل!

وإقامة التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم، مقتضاها الأول الدخول في دين اللّه الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد أخذ اللّه عليهم الميثاق أن يؤمنوا بكل رسول ويعزروه وينصروه. وصفة محمد وقومه عندهم في التوراة وعندهم في الإنجيل - كما أخبر اللّه وهو أصدق القائلين - فهم لا يقيمون التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم: (سواء كان المقصود بقوله: «وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ» هو القرآن - كما يقول بعض المفسرين - أو هو الكتب الأخرى التي أنزلت لهم كزبور داود) .. نقول إنهم لا يقيمون التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم إلا أن يدخلوا في الدين الجديد، الذي يصدق ما بين يديهم ويهيمن عليه .. فهم ليسوا على شي ء - بشهادة اللّه سبحانه - حتى يدخلوا في الدين الأخير .. والرسول - صلى الله عليه وسلم - قد كلف أن يواجههم بهذا القرار الإلهي في شأنهم وأن يبلغهم حقيقة صفتهم وموقفهم وإلا فما بلغ رسالة ربه.

ويا له من تهديد! وكان اللّه - سبحانه - يعلم أن مواجهتهم بهذه الحقيقة الحاسمة، وبهذه الكلمة الفاصلة، ستؤدي إلى أن تزيد كثيرا منهم طغيانا وكفرا، وعنادا ولجاجا .. ولكن هذا لم يمنع من أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يواجههم بها وألا يأسى على ما يصيبهم من الكفر والطغيان والضلال والشرود بسبب مواجهتهم بها لأن حكمته - سبحانه - تقتضي أن يصدع بكلمة الحق وأن تترتب عليها آثارها في نفوس الخلق. فيهتدي من يهتدي عن بينة، ويضل من يضل عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيّ عن بينة: «وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً، فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ» .. وكان اللّه - سبحانه - يرسم للداعية بهذه التوجيهات منهج الدعوة ويطلعه على حكمة اللّه في هذا المنهج ويسلي قلبه عما يصيب الذين لا يهتدون، إذا هاجتهم كلمة الحق فازدادوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015