ولما كان مصحف أبي بكر رضي الله عنه واحدا فإنه من المفترض أنه اشتمل على أحد الرّسمين، ولكن من المؤكد أن وثيقة أخرى كتبت بالرسم الآخر، وكانت موجودة في المجموعة التي توفرت لدى الصّديق رضي الله عنه من الوثائق.
وحينما كتب مصحف عثمان بن عفّان رضي الله عنه ونسخ في الأمصار؛ كان من أهم النقاط التي لحظتها المصاحف أنها عالجت مواضع اختلاف الرسم الضروري بين القراءات، فكتبت الأحرف متعددة في مواضع الاختلاف بحسب القراءات المأذون بها من المعصوم صلّى الله عليه وسلّم.
ظهر لنا في الفصل السابق أن المصاحف العثمانية التي وزعها عثمان في الأمصار كانت مشتملة على القراءات المشروعة بمجموعها، فقد تغيب قراءة ما عن رسم أحد المصاحف العثمانية، ولكنها تظهر جزما في نسخة أخرى، وقد يقصر رسم أحد المصاحف عن التعبير بالوجوه المشروعة في القراءة، ولكن يجيء رسم مصحف آخر بالتعبير عما لم يرد في سالفه.
ويجب التّنبيه هنا أن ذلك كله في تسعة وأربعين حرفا لا غير، وقد يشكل عليك ما قدمت من أن الخلاف بين القراءات في الفرش وصل إلى نحو ألفي كلمة، وهذا ليس غائبا عن البال، فالخلاف الفرشي المذكور كله يحتمله رسم واحد إلا المواضع التسعة والأربعين فإنه لا يحتملها رسم واحد، ولا بدّ من تعدّد الرسم في النسخ ليتمّ استيعاب الوجوه المشروعة.
فنجد مثلا أن وجوه القراءة الأربعة تؤخذ من رسم عثماني واحد في مثل الموضع التالي:
(قبل النقط والتّشكيل).
وإليه يَرْجِعُونَ [الأحزاب: 33/ 85]: يرجعون (?) - يرجعون (?) - ترجعون (?) - ترجعون (?).