وأشهر كتاب الوحي بين يدي النّبي صلّى الله عليه وسلّم: أبان بن سعيد بن العاص الأموي، وأبي بن كعب، والأرقم بن أبي الأرقم، والزبير بن العوام، وزيد بن ثابت، وأبو بكر الصّديق، وعلي بن أبي طالب، وعامر بن فهيرة، ومعاوية بن أبي سفيان، والمغيرة بن شعبة، والعلاء بن عقبة، ومحمد بن مسلمة الأنصاري، وسجلّ الكاتب (?).
ولم يأمر النّبي صلّى الله عليه وسلّم بجمع سائر الصحف في كتاب؛ وذلك أنه كان يتوقع دائما نزول القرآن الكريم، ونسخ بعض ما نزل، فكان إذا نزلت السورة يقتصر على قوله: اجعلوا هذه مكان كذا وكذا، فيعرف أصحابه الكرام مراده بالترتيب من غير أن تتمّ الكتابة النهائية لسائر آي القرآن الكريم في مصحف واحد.
قال الخطابي: إنما لم يجمع صلّى الله عليه وسلّم القرآن في المصحف لما كان يرقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته، فلما انقضى نزوله بوفاته ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك وفاء بوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة، فكان ابتداء ذلك على يد الصّديق بمشورة عمر، وأما ما أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن» .. الحديث؛ فلا ينافي ذلك لأن الكلام في كتابة مخصوصة على صفة مخصوصة، وقد كان القرآن كتب كله في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لكن غير مجموع في موضع واحد ولا مرتب السور (?).
وهكذا فإن النّبي صلّى الله عليه وسلّم كان يأمر بكتابة القرآن عنه من غير أن يأمر باستقصاء ذلك كله في مصحف واحد، وكل ذلك بوحي، فالمسألة توقيفية لا مجال فيها للاجتهاد.
وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعرض القرآن الكريم في كل عام مرة على جبريل الأمين خلال شهر رمضان، وفي سنته الأخيرة صلّى الله عليه وسلّم عرضه مرّتين، وفي ذلك يقول صلّى الله عليه وسلّم: «إن جبريل كان يعارضني القرآن في كل شهر رمضان مرّة وإنه عارضني هذا العام مرتين وما أراه إلّا قد حضر أجلي» (?).
فبذلك تمّ نزول القرآن كله، وتمّ ترتيبه في مواضعه، وتمّ نسخه في الصحف، كل ذلك بأمر منه صلّى الله عليه وسلّم وبين يديه.