وتجدر الإشارة هنا إلى إمام جليل سبق الإمام ابن الجزري، وهو الإمام الشاطبي (?)، الذي تصدّر للإقراء في الأندلس والمغرب الإسلامي ومصر في القرن السادس الهجري.
وقد كان أهم الآثار التي تركها الشاطبي منظومته الكبيرة المسماة (حرز الأماني، ووجه التّهاني)، وهي من المنظومات المتقدمة تاريخيّا في هذا الفن، وقد لاقت قبولا واسعا، وهي تتألف من (1173) بيتا من البحر الطويل الذي يلتزم قافية لامية، اختار الشاطبي أن يرمز لكل قارئ من القرّاء السبعة بحرف من الأبجدية، فيشرح بذلك اختيار كلّ قارئ، ومذهبه في الأصول والفرش.
ولم يكن عمل الشاطبي هذا إلا نظما على كتاب التيسير لأبي عمرو الدّاني، الذي صنف كتابه لبيان قراءات الأئمة التي اعتمدها ابن مجاهد، ولكن نظم الشاطبي هو الذي طاف بالبلاد، وحفظه طلاب هذا الفن، وهكذا فإن عملي الشاطبي والدّاني تكاملا في تقرير الأخذ باختيار ابن مجاهد للقراءات السبع على أنها تمثّل جميع المتواتر من قراءة المعصوم صلّى الله عليه وسلّم.
وحتى اليوم فإن منظومة الشاطبي هي أدق ما صنف في باب القراءات، وعنها يأخذ طلبة العلم في التّلقي والمشافهة.
وهكذا فإن اختيار ابن مجاهد ازداد رسوخا بتكريس الشاطبي له أصولا وفرشا، ومضت ثمانية قرون، وإن الأمة لا تسلّم بالتواتر لغير هؤلاء السبعة.