ظاهر الآية أنه تكويني، ولكن لما لم يرد عليه حظر دلّ على أنه من باب ما أقرّه الشارع؛ إذ الدواعي متوافرة لإنكاره لو كان يستوجب الإنكار.
ولم يتعرض الإمامان الجليلان الرازي الجصاص، وابن العربي إلى اختلاف القراءة في هذه الآية، وقد أوردا أحكامها وفق قراءة النصب لا غير (?).
قوله تعالى: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ [المائدة: 5/ 89].
قرئت على ثلاثة أوجه: عقّدتم، وعقدتم، وعاقدتم.
قرأ حمزة، والكسائي، وخلف، وشعبة: (عقدتم الأيمان). وقرأ ابن ذكوان: (عاقدتم الأيمان). وقرأ الباقون: عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ (?).
والقراءات الثلاثة تتجه إلى تقرير عدم المؤاخذة بيمين اللغو، وقصر المؤاخذة على اليمين المعقودة، وهي المعبّر عنها بالصّيغ الثلاث الآنفة. فتكون رواية ابن ذكوان عن ابن عامر على جهة أن اليمين المنعقدة هي التي تكون من اثنين، دلّت ذلك ألف المفاعلة في قراءتهم (عاقدتم الأيمان)، ولا خلاف بين الأئمة في قبول مدلول هذه القراءة،
ولكن يلزم ابن عامر أن يقبل مدلول قراءة الآخرين لثبوت التواتر.
وتكون قراءة أهل الكوفة بالتخفيف دالّة على أن الكفارة تلزم الحانث إذا عقد يمينا بحلف مرة واحدة، وهذا الحكم محل إجماع من الأمة بلا خلاف، إلا قولا روي عن ابن عمر، وتسابق النّقاد إلى إنكار نسبته إليه (?).