دلّت قراءة الجمهور أن المطلوب لجريان أحكام التّعاقد أن يشترك في إقراره المتعاقدان، بقرينة ألف المفاعلة التي هي نتيجة اشتراك إرادتين، ويشهد له اختيار أبي عبيدة (عاقده:
حالفه) (?) فيما دلّت قراءة أهل الكوفة أن المطلوب هو يمين الغارم دون إقرار الغريم، بقرينة أن الفاعل هنا هو أيمان المؤمنين وحدها.
والجمع بين القراءتين ممكن، فيكون إعمال القراءتين دليلا على وجوب انعقاد العقد في الحالين، بالمشاركة أو المبادرة الفردية، وفي الحالين فإن الوفاء ملزم، ففي المشاركة لأنها إرادة الفريقين، وفي المبادرة الفردية لأنها تفترض إقرار المعقود له (?).
ولا بدّ من الإشارة هنا إلى طبيعة هذا الإخاء العجيب الذي عقده النّبي صلّى الله عليه وسلّم بين الصحابة الكرام، وحلّ محلّ أخوّة النّسب والدّم، حتى أصبح الأخ يرث أخاه في الدين دون أرحامه ومواليه، وهو أمر لا تقدر على فرضه أشدّ القوانين صرامة وحزما، ولكن شرعه الإسلام وطبّقه حبّا وعدلا وإحسانا.
وبمقارنة بسيطة ندرك أي منزلة سامية بوّأها النّبي صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه في الحبّ والإيثار.
قوله تعالى: وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ [الرّوم: 30/ 39].
قرأ ابن كثير: (وما أتيتم من ربا) من غير مد، أي ما جئتم. وقرأ الباقون: وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً (?)، أي: ما أعطيتم، من قوله: فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا أي: أعطاهم.
قال عكرمة: هما ربوان: أحدهما حلال والآخر حرام، فأما الحلال فالرجل يعطي أخاه