والآية عامة في وجوب إيتاء ذوي العقود حقوقهم فيما عاقدوا فيه، وقد أورد الإمام البخاري توجيها لمعنى الآية وفق سبب نزولها: «عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عاقدت أيمانكم) قال: كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرث الأنصاري المهاجريّ دون ذوي رحمه، للأخوّة التي كان النّبي صلّى الله عليه وسلّم جعلها بينهم، فلما نزلت:
وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ قال: نسختها (والذين عاقدت أيمانهم)» (?).
وعلى اختيار البخاري هذا جرى أهل التفسير، فصرحوا بأن هذه الآية منسوخة، ولا نزاع في ذلك بحسب الظاهر، لكن ينبغي أن يحتاط في إطلاق النّسخ، فيجب القول هنا: إن الآية منسوخة من جهة دلالتها على توريث الإخوة في الدين، ولكنها باقية في الدلالة على نصرتهم وحمايتهم وموالاتهم؛ إذ النّص في الكتاب العزيز لم يخصّ على إيتاء المال دون سواه، فحيث جاء النّسخ على فرد من أفراد المأمور به، تعين أن الحكم باق فيما سواه من أفراده.
وهكذا فإنه لا مساغ للجزم بوجود النّسخ، لإمكان الجمع بين النصوص، ولأن دلالات العام هنا كثيرة، وأغلبها باق محكم، كحق المعاقدين في الوفاء بعقودهم من النصرة والولاية والنصيحة والتراحم، خلافا لما جزم به أبو زرعة في الحجة (?).
إن حقّ من تنالهم عقود الأيمان في الوفاء مؤكد بلا ريب كما شملته الآية في حدود ما لم يطله الناسخ.
ولكن هل هذا الحق لمن انعقد حلفه بيمين العاقد وحده دون الحاجة لتحرير إقرار المعقود له، أم لا بدّ من تعاقد بين طرفين؟