أن القرآن قرر أن قضاء التّفث مقصد يسعى إليه الحجاج، وذلك قبل أن ينزل فيه تشريع، ثم أمر بذلك، فأصبح قضاء التّفث نسكا شرعيّا مأمورا به، زيادة على كونه عادة الحجيج من العرب فيما توارثوه عن إبراهيم.
فكأنما القراءة الأولى جاءت تذكيرا بما تعودته العرب، ثم جاءت الثانية بالتكليف به ليكون الأمر أوقع في النفوس، وآنس للاستجابة، وأدنى إلى القبول.
وأما تحرير معنى التّفث المأمور بقضائه فقد تعدّدت فيه الأقوال تعدّدا كثيرا، ولم يسمع فيه شعر عربي (?)، ولكن روي في تفسيره نصّ لو سلّم إسناده لقطع كل خلاف، وهو ما رواه ابن عمر وابن عباس أن التّفث مناسك الحجّ كلها (?)، وقال ابن العربي (?): لو صحّ عنهما لكان حجة لشرف الصحبة والإحاطة باللغة، قال: وهذه اللفظة غريبة لم يجر أهل العربية فيها شعرا، ولا أحاطوا بها خبرا (?)، لكني تتبعت التّفث لغة فرأيت أبا عبيدة معمر بن المثنى قال: إنه قص الأظافر، وأخذ الشارب، وكل ما يحرم على المحرم إلا النكاح. قال: ولم يجئ فيه بشعر يحتجّ به (?).