إخوانهم المؤمنين، فإخاء الدين مقدم على إخاء النسب حال التعارض، ويزداد إخاء الدين قوة وصلابة وحقوقاً إذا كان معه صلة قربى ونسب.
فمتى ما انتفت هذه السلبيات عن القبلية أثمرت خيراً على المجتمع، فزادت بها وحدته وقويت بها شوكته، وصلح بها أمره، ومتى اقترنت بها تلك الآفات كانت آثارها على المجتمع مدمرة وسيئة.
تمهيد: من المعلوم في الشريعة الإسلامية أن الناس جميعاً سواسية كأسنان المشط؛ لأنهم من أب واحد وأم واحدة، وإنما يفضل الفاضل منهم بتقوى الله وحده، كما قال تعالى: «إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، وفي الحديث: «لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى» رواه أحمد. الناس لآدم وآدم من تراب، ويتجلّى هذا المعنى في الخطاب الديني للمكلفين، كما في اجتماع المصلين على إمام واحد وإقامة الصف وسدّ الخلل فيه، وكذلك اجتماع الصائمين في صيامهم في زمن واحد؛ من طلوع الفجر إلى غروب الشمس وأيضاً اجتماع الحجيج بسمت واحد وزيّ واحد، كل هذا في صورة مشرقة للوحدة والمساواة والعدالة، لا فضل لأبيض على أسود، ولا لغني على فقير، كلهم أمام الله سواء إلا بالتقوى.
ولقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم –: (من ادعى بدعوى الجاهلية فهو من جثا جهنم) فقال رجل: يا رسول الله؛ وإن صلى وصام؟ قال: (وإن صلى وصام، فادعوا بدعوى الله الذي سمّاكم المسلمين المؤمنين؛ عباد الله) رواه أحمد وغيره.
وفي تصفّح لذاكرة التأريخ – لا سيّما عصر صدر الإسلام، وخصوصاً مع سيّد ولد عدنان صلى الله عليه وسلم – نجد أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أرفعَ الناس قد تزوّج بزينب بنت جحش بعد مولاه زيد، بل هو الذي زوّجها بزيد من قبل رغم أنها قرشيّة وأمها هاشميّة، وأشار النبي – صلى الله عليه وسلم – لفاطمة بنت قيس القرشيّة أن تقبل بنكاح أسامة بن زيد الذي قد استفاض أنه وأباه من الموالي ولا أحد أنصح لفاطمة من رسول الله عليه الصلاة والسلام، وفي الحديث: «يا بني بياضة أنْكِحُوا أبا هندٍ وأنْكِحُوا إليه» رواه أبو داود وصحّحه ابن حجر. وأبو هند كان حجّاماً وبنوا بياضة أسرة من أسر الأنصار وهم أزديّون من أشرف العرب، وأخرج البخاري في التاريخ الكبير عن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن أمه قالت: رأيت أخت عبد الرحمن بن عوف تحت بلال , ومن المتقرر أن
عبد الرحمن زهريّ قرشيّ، وبلال حبشي عتيق لأبي بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين.