أقوى من نظر الشافعي لأن السيد لما تكلم به أوجبَ للعبدِ حقاً في الالتزام وسعياً في الحرية، فلم يجز له الرجوع فيه لأن هذا الحق لا يقبلُ الرجوع ولا الإسقاط كسائر الحقوق المتعلقة بالعتق، ومن مسائله العظيمة التي اختلف فيها الفقهاء والصحابة إذا مات المكاتب وترك وفاءً بالكتابة وترك ورثة، فقيل: تبطل الكتابة وبه قال الشافعي وقال قوم تبقى الكتابة وبه قال مالك وأبو حنيفة في تفصيل طويل بين الطوائف وأرباب المذاهب، ولا تستقل به إلَّا كتب المسائِل، وقد استوفينا ذلك كله في موضعه والحمد لله. ونظرَ الشافعي إلى أن المعقود عليه وهو المكاتب قد هلك والأصل عنده أن المعقود عليه إذا هلك بطل العقد كسائر عقود الشريعة كلها، وهذا لعمْرُ الله هو الأصل بيد أن هذا الحق قد يتعدى من المعقود عليه إلى غيره وهم الأولاد وثبت فيهم ثبوته في الأصلِ، فمن نظر من الصحابة إلى هذا المعنى أبقى الكتابة وحكم بأداء النُجوم وأوجبَ الحرية والميراث للأولاد وبه أقول.
ومن متعلقات عقود الحرية وفروعها وهو أصلٌ في نفسه أيضًا وله فروع أقل من الأول التدبير: وهو عقد متفق عليه بين الأمة كان في الجاهلية وأقره الإسلام وفي الصحيح عن جابرٍ أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم -: باع مدبرًا (?) وأصله أن يقول أنت مدبر وأنت حرٌّ عن دبرٍ منيّ أو أنت حر بعد موتي لا على معنى الوصية، فقال الشافعي: هذا عتق إلى أجل، ومن أصله، أن كل عتق إلى أجلٍ قطع بإتيانه أو لم يقطع لا يقضي بلزوم العتق على السيد، والمسألة معلومة في مسائل الخلاف، فهذه المسألة من جملة تلك الصور ويخصها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - باع المدبر، ولو كان حراماً كما قال مالك وأبو حنيفة ما باعها (?) ونظر علماؤنا إلى أنه عقد ألزمه