كتاب العتق

اعلموا وفقكم الله أن العتقَ من أفضلِ الأعمال وأعظم القربات ثواباً جعله الله مخلصاً للأرقاء الذين ابتلاهم به عقوبة فمنَّ عليهم بالعتق بعد ذلك نعمة خلَّصهم بها وآجر المتولينَ له عليها ولله تعالى عتقاء فأقرب العبيد إليهِ من أعتق عبداً بين يديه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من امرئٍ مسلم يعتقُ عبداً مسلماً إلا أعتق الله بكل عضوٍ منه عضوًا من النار حتى الفرجَ بالفرجِ) (?) والآثار في تفضيله كثيرة وله اسمان أحدهما العتق والثاني التحرير ولا خلافَ فيهما لكونهما صريحين غالبين في هذا الباب وضعًا وعرفاً، ويلتحقُ بهما قول الرجل في عبده هو لله والأصل في ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في العتق الحديث المتقدم وغيره والأصل في الحرية معان منها حديث أبي هريرة في الصحيح، حين هاجر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مع عبده بلغ إليه دونه وقال أبق مني فبينَما هو مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ طلع عليهم العبد. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أبا هريرة، ها هو) فقال أبو هريرة: هو حر (?) وفي رواية هو لله (?)، والصحيح أن قول القائل هو لله ليس بصريح لأنه يحتمل وجوهًا سوى العتق إلا أن يكون في سياقِ كلامٍ يدل عليه، ألا ترى أنه لو قال الرجلُ في عبده هو حر وأشار به إلى حُسن خلقه لقُبل منه حيث يدل البساط عليه، وفي العتق كنايات كما فيه صرائح، وأشبه شيء به في ذلك الطلاق، ومن كناياته قول القائل لعبده هذا ابني واختلف العلماء فيها، فقال الشافعي: لا يكون حرًّا وإن نوى العتق لأنه نية بغير لفظٍ. وقال أبو حنيفة يكون عتقًا وإن كان العبدُ أكبر سناً (?) منه وقد بينا في مسائل الخلافِ تحقيق القول في المسألة، وعمدتُها أن الأعمال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015