أخو الذئب في باب الحل وارتفاع التكليف عنه في الامتناع منها، الذي كان قبل هذا عليه، وقد استوفيتها في مسائل الخلافِ. وأما ضالة الإبل فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - على السائل حين ذكرها لما فهم منه من استشراف الطمع وتعلق البال بمالِ الغير وكان السؤال عن منفوق المال وعن النساء سؤالًا محتملاً، لقصدِ الحفظِ على الغير ولقصدِ انتفاع الطالب فأما ضالة الإبل، فقد خلصت للطمعِ لأنه لو تركها لما خاف عليها، والأخذ إنما هو لأجَل الخوف ورضي الله عن هذا السائل، فلقد أفاد مسائل استوفيناها في شرح الحديث وكتب المسائل نذكر الآن لكم منها ثلاثاً.
الأولى: أنه لا بأس بالغضبِ على السائلِ إذا عدل عن جهة السؤال.
الثانية: أنه استوفى لنا بيان اللقطة كلها ولولاه لاختلفنا في الإبل كما اختلفنا في البقر مع وجود النص في الإبل والصحيح في البقر أنها ليست كالإبل وإنما هي كالغنم يعلم ذلك مشاهدة.
الثالثة: أن قول النبي صلى الله عليه وسلم (معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر). الحديث بيان لحال الموضع الذي توجد فيه فإن كان يمكنها فيه الورود لأنها أودية وحياض وبرك فالأمر كذلك وإن كانت في موضع فيه آبار لا تتمكن من الورود فهي بمنزلة الشاءِ وعلى هذا حمل علماؤنا من ترك دابته بأرضٍ مضبعةٍ وقد يئس منها فقام عليها رجل حتى قامت، والصحيح أنها لمن قام عليها، وإن كان غير مشهور المذهب وقد روي في ذلك حديث ليس بصحيح، ولكن فقه هذا الحديث يشهد بصحة ما قلناه، ومن فوائد هذا الخبر ما قال علماؤنا أن ما ورد فيه حديث الزبير قبله من فتوى النبي صلى الله عليه وسلم وحكمه في حالِ الغضب أن ذلك مخصوص فيه من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقضي القاضي وهو غضبان) (?) لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان ينطق بالوحي، ويؤيد بالعصمة، فلا يخاف عليه من الغضب آفة، فأما نحن فإنما نحكم بالاجتهاد، وبذل الوسع في النظرِ والغضب يشوش الخاطر ويشغل القلب عن النظر أو استيفائه، وذلك مظنة غلظٍ في الغالب، وعليها ورد النهي، فوجبَ أن يقف دونه.