عمرك أو عمر عقبك، وقد اتفقنا على أنه لو كان الحكم معلقاً بعُمر المعطي لما كان تمليكاً محضاً فكذلك في عمر المعطى وتَحويره على صيغ القياس حكم معلق بأحدِ العمرين فلم يكن على التأييد أصله الثاني، وهذا الفقه صحيح يكشفُ حقيقة الحديث ويبين لكم مقصد الرسول - صلى الله عليه وسلم - في بيان الحكم وذلك العمرى نصف هبةٍ، إذ الهبةُ يكون لها محلان ملك الرقبةِ وملك المنافِع وقد يجتمعان للشخص الواحِد بأن تطلق الهبة إطلاقًا وقد ينفردان فيعطيه المنفعة دون الرقبةِ وهي العُمرى، فإنه لو قال أسكنتك هذه الدار وعقبك لكان تصريحاً بهبة المنافع، وكذلك عُمرتك، وقد تجعل الرقبة لشخصٍ والمنفعَة لآخر، فيقول أعمرتك وعقبك هذه الدار وجعلت رقبتها لفلان وعقبه فإذا كانت تنفصل في أنواعها اسماً وحقيقةً وحُكماً فكيف تجعل بابًا واحدًا وقد تبين بذلك أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أراد من وَهبَ منافع دارٍ مثلاً لرجلٍ ولعقبهِ فإنه لا يرجعُ إليهِ إذا مات ذلك الرجل المعمر, لأنه أعطى عطاءً وقعت فيه المواريث، يريدُ أنَّ المنافعَ قد استحقها العقب من بعد موروثهم. فكيف ترجعُ إلى الذي أعطاها حتى ينقرضَ جميعهم. وأما مسألة الرقبة فهي مسألة مخاطرة داخلة في الغررِ خارجة عن المعروف وبيانها في موضعها.
هذه لفظة اختلفَ أهل اللغةِ فيها فمنهم من رواهَا مفتوحة القاف ومنهم من روَاها ساكنة وقد بيناها في موضعها والأولى عندي أن تكون بالسكون, لأنه في الغالب بناء المفعول في باب فعلة وفَعَلة (?) والأصل في ذلك الحديث الصحيح المتفق على روايته.