أخذ فأما الطائفة الأولى الوعيدية فقد تعلقت بظواهر الآيات والآثار وهذا هو الذي دعا سالفة علمائنا المتكلمين رحمة الله عليهم إلى انكار العموم وقد بينا القول بصحته وأنه لا يحتاج إلى ذلك معهم فإن الحق ظاهر والأدلة بيّنه وحمل التقصير كثيراً من علمائنا على أن يقولوا أن الله تعالى لا ينفذ وعيده فإن ترك إنفاذ الوعيد من مكارم الأخلاق.
قال الشاعر:
وإني وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلف إبعادي ومنجز موعدي (?)
وقد بيّنا أن ذلك إنما يتصور في المخلوق الذي يجوز له الكذب بعذر ويتصور منه على الإطلاق فأما الصادق الواجب الصدق فلا يجوز أن يقع مخبره بخلاف خبره ويتعالى الباري عزّ وجلّ عن الأخلاق الذميمة وإنما له الصفات العلية ومنها الصدق في الكلام لكن الآيات والأخبار وإن جاءت بإطلاق القول في الوعيد فقد جاءت أخر بإطلاق القول في الوعد كقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله حرمه الله على النار) (?) وبهذا تعلقت المرجئة.
وكقوله (إن بغياً من بني إسرائيل مرت بكلب يأكل الثرى من العطش فنزعت موقها وسقته من ركية (?) فغفر الله لها) (?).
وههنا نكت كثيرة بيانها في موضعها لا يخفى عليكم الآن منها نكتة بديعة وهي أن الباري تعالى رحيم شديد العقاب فلا بد أن يأخذ كل حكم من أحكام الصفتين جزءاً من الخلق تتحقق فيه الصفة وكذلك هو غفور منتقم فلا بد أن يكون للمغفرة جزء معلوم من الخلق وللإنتقام جزء معلوم وتحقيق ذلك الشفاعة فمن نظر إلى صفة من صفات الباري جل وعز وآمن بها وترك البواقي لا يكون مؤمناً بالله وكذلك من نظر إلى أخبار الوعد دون أخبار