اتفق العلماء رحمة الله عليهم على أن الشفعة إنما يترتب حكمها في عقد معاوضة فإن وقع الملك في الخط المشاع بغير عوض كالهبة المحِضة فروي عن مالك فيه الشفعة واتفقت الأمة على أنه لا شفعة في الخط المشاع الموروث وهذه الرواية عن مالك في الهيئة وإن كانت قليلة في النقل فإنها قوية في الدليل فإن الشفعة إنما ثبتت لضرر الشركة وذلك في الموهوب كما هو في المبيع فإن قيل الموهوب ملك بغير عوض فلم يكن فيه الشفعة كما لو ورث جزءاً مشاعاً وهو قول كافة العلماء، قلنا: ليس من التحقيق قياس الهبة على الميراث لأن ملك الموروث دخل قسراً من الله تعالى لا دفع له لجبلة بخلاف الهبة فإنه ملك دخل على الشريك باختيار المتعاقدين فوجبت فيه الشفعة كالمتبايعين وقد كان يمكنه ألا يفعل فلما فعل التحق الاختيار بالاختيار وفارق القهر والإضرار فإن قيل يبطل من وجه آخر وذلك أن الشفعة إنما هي أخذ بعوض ولا عوض في الهبة، قلنا الجواب من وجهين:
أحدهما أن هذا يبطل بما إذا جحد المشتري العوض أو نسيه أو مات ولم يعرف.
الجواب الثاني وهو تمام الأول أن في مسألتنا وهي الهبة عوض عظيم وهي قيمة الشقص وهي التي يرجع إليها في المسائل المتقدمة أو بعضها فركبوه عليه والله أعلم.
كما ثبتت الشفعة عند علمائنا في المبيع كذلك تثبت في الممهورة والمخالعة وبه قال الشافعي (?) وقال أبو حنيفة هي مختصة بالمبيع (?) والمسألة غريبة المأخذ لأنا نقول مع الشافعي إنه شقص ملك عن معاوضة فوجبت فيه الشفعة كالمبيع ولا إشكال في أن النكاح والخلع معاوضة لأن الله تعالى يقول: {وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ} (?) وقد بينا ذلك في التلخيص إلا أن الشافعي قال يأخذ الشقص بمهر المثل وقال مالك يأخذه بقيمته وما قاله الشافعي وهو بادي الرأي لأن المنفعة إنما تكون بالثمن فإن تعذر فيؤخذ قيمته كما لو اشترى شقصاً بعبد أو ثوب والبضع عندنا وعند الشافعي متقوم يضمن بالمسمى في الصحيح وبالمثل في الفاسد إلا أن مالكاً تفطن لدقيقة وهو أن النكاح مبني على المكارمة فقيد ذلك بالمهر وقد ينقص فلم يكن فيه أعدل من أن يأخذ قيمة