إحدى الجملتين خبر عن الثيب، والجملة الثانية خبر عن البكر، وقد استوفينا الغرض من ذلك في مسائل الخلاف. الإشارة إليه أن الجملتين نظَّمتا التغاير بين البكر والثيب فجعلت الثيبة مالكة أمرها، وجعلت البكر مملوكاً عليها أمرها، وذلك في حق الأب خاصة؛ لأنه ذكر الصفة في الحكم، وذكرها في الحكم تعديل فجعل الثيب أحق بنفسها لاختبارها الرجال ومعرفتها بالمقصود من النكاح، وردَّ الله تعالى أمر البكر إلى الولي لغرارتها, ولكن ولي تكمل شفقته ويعلم حسن نظره، وهو الأب في ابنته خاصة، فإن قيل: فما معنى الإذن ها هنا حين قال "تُسْتَأُذَنُ في نَفْسِهَا" ما فقيل في الحديث: إنها تستحي (?) فقال: (إِذْنُهَا صُمَاتُهَا).

قلنا: هذا هو الذي أشكل على كثير من العلماء واختلف فيه قول مالك، رضي الله عنه، فتارة اعتقد في البكر أنها اليتيمة (?)، وكذلك يروي أنه فسرها شعبة في هذا الحديث فقال: (وَالْيَتيمَةُ تُسْتَاذَنُ في نَفْسِهَا) وتارة قال: إنها البكر (?) في حق الأب، وهو الصحيح الذي به ينتظم مساق الحديث ويكمل المعنى. وقال أهل العراق: إذا بلغت البكر لم يزوِّجها أحد إلا بإذنها، لا من أب ولا من سواه، وهذا فاسد (?)؛ فإن الحديث بنظمه وتعليمه يقتضي أن يملك الأب عليها النكاح؛ لأنه إنما جعل الثيب أحق لكونها ثيباً، ولما كانت فائدة الولي في النكاح حفظ المرأة من الوقوع في غير الكفؤ فتلوِّث نفسها، وتلحق العار بحسبها، رأى مالك، رضي الله عنه، أن الدنيئة المقطوعة لا يرتبط أمرها بالولي، في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015