إن الله تبارك وتعالى شرَّف الآدمي، خلق له غيره ويسره له في جلب منفعة أو دفع مضرة، وزاد في المنَّة حتى أذن له في إيلام الحيوان الذي هو نظيره في اللذة والألم، وأمره بإتلاف نفسه وإنزال الألم به تارة في التقرُّب إِليه كالهدايا والضحايا وتارة في التلذذ به كذبحه للأكل، وجعله على قسمين قسماً متأنساً يدركه بغير حول ولا حيلة، وآخر لا يحصل إِليه بالحول والحيلة كالدرّاج (?) والطائر، ويسر له الأسباب التي يصيد بها الدوارج وعلَّمه الحيل التي ينزل بها الطير من العلو ..
وقد فسرنا هذه الأنواع في سورة العقود من كتاب الأحكام (?)، وأمر سبحانه إخباره عن هذه المنة بالرفق والتؤدة فقال: "إِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقَتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْذَّبْحَةَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ" (?)، ولا بد من اعتبار الذبائح والذبح والمذبوح، فأما الذابح فأن يكون بيّناً عارفاً؛ فإِنَّ المجوسي محرم الذبح والذمي مأذون له في ذبحه لأنه صاحب كتاب، قال الله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (?).
قلت للشيخ الإِمام أبي الفتح نصر بن إبراهيم (?) بدمشق: قد حرَّم الله علينا طعام المشركين من أهل الأوثان والمجوس وذبائحهم، وأي شرك أعظم من أن يقول إن عيسى هو الله أو ولده. قال لي: قد أخبر الله تعالى في كتابه عنهم وعلمه منهم، وأذن بعد ذلك في