والمفاضلة بين الأعمال قد بيَّنَّا تحقيقها في غير ما موضع، فقد تُفضل الأعمالُ الأعمالَ بذواتها كالتوحيد يفضل سائر الطاعات بذاته، وقد تفضل الأَعمالُ الأَعمالَ بثوابها كما جعل ثواب الصلاة أكثر من ثواب الصيام، والذكر أفضل الأَعمال لأنه توحيد وعمل؛ وقد ورد في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه بمنزلة الحصن الذي يعتصم فيه من العدو، وكذلك يعتصم به من الشيطان والنار، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه مشى يوماً مع أصحابه حتى وقف على الجبل (?) فقال: هذَا جُمْدَانُ (?) سِيرُوا سَبُقَ المُفْرِدونَ، قِيلَ: يَا رَسُولَ الله مَنْ هُمُ؟ قَالَ: الَّذِينَ اهْتَزُّوا بِذِكْرِ الله يَضَعُ الذِّكْرُ عَنْهُمْ أوْزَارَهُمْ (?).
قوله: (الْمُفْرِدُونَ) يعني الذين أفردوا الله بالوجود الحقيقي، وبعموم العلم والقدرة، وبعموم الخلق فلا خالق سواه، وباختصاص الإِرادة يفعل ما يشاء. وبأن المرجع إليه، ومعناه: لم يروا إلا الله وكأنه يريد من الموحدين به الذين يروا الله واحداً فرداً.
قوله: (الَّذِينُ اهْتَزُّوا بِذِكْرِ الله) يعني الذين غلب عليهم الذكر في الأقوال، والطاعة في الأعمال حتى يكونوا كما روي عن الحسن البصري أنه قال (أدْرَكْتُ قَوْماً لَوْ رَأيْتُمُوهُمْ لَقُلْتُمْ مَجَانِينَ وَلَوْ رَأوْكُمْ لَقَالُوا فُسَّاقٌ) (?). وغلطتْ هاهنا الصوفية فقالوا (?): إن المراد به الذكر الدائم باللسان من غير فتور حتى إذا رآه الرجل قال هذا مجنون (?)، وليس كذلك إنما المراد به الذي ليس له عمل إلا الله تعالى؛ إن صلّى وصام فللَّه تعالى، وإن