إلى قوله {ذَلِكُمْ فِسْقٌ} (?) وهي أمٌّ من أمهات مسائل الأحكام، فقوله {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} نص في التحريم لا كلام لأحد فيه ولا مجال للنظر معه. وقوله: الميتة عموم فمن الفقهاء من قال: هو عام في الجثة كلها وجميع أجزائها حرام (?). ومنهم من قال: إنما يتناول قوله: الميتة ما يموت (?) ولا يموت إلا ما كانت فيه حياة، والعظم والشعر لا حياه فيه فلا يموت فلا يتناوله التحريم (?). ومنهم من قال أما العظم ففيه حياة لأنه يحس والتحريم يتناوله ويألم فيموت فيحرم. وأما الشعر فلا حياة فيه فلا يموت فلا يتناوله التحريم، ألا ترى أنه يجز في حال الحياة وكذلك بعد الممات، فهذا مجال تختلف فيه هذه الأحوال ويفتقر كل فن منها إلى النظر والاستدلال فليؤخذ من موضعه فهذه منزلة من النظر.
منزلة أخري. لما قال الله تعالى. {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} قال: المبيّن لنا ما أشكل منه علينا وقد مرّ بشاة ميتة فقال: "هَلَّا أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا فَدَبَغتموه فَانْتَفَعْتمْ بِهِ قَالُوا: يا رَسُولَ الله إِنَّهَا مَيْتَةٌ قَالَ. إِنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا" فبيَّن - صلى الله عليه وسلم - أن متناول التحريم من عموم القرآن الأكل خاصة، وأن باقي الميتة على الإباحة الأصلية، ثم علم طريق تحصيل الانتفاع بالدباغ الذي جعله الله سبحانه بحكمته خلقًا للحياة؛ فإن الحياة تدفع العفونة عن الجلد ويبقى معها مهيئًا للانتفاع مع اتصاله باللحم، كما يفعل الدباغ بالجلد عند انفراده عن