فجدَّ فيهم الطلب فأُخذوا وجيىء بهم، فسألت من كان ابتلاني الله به من المفتين فقالوا: ليسوا محاربين لأن الحرابة إنما تكون في الأموال لا في الفروج، فقلت لهم: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ألم تعلموا أن الحرابة في الفروج أفحش منها في الأموال، وأن الناس كلهم ليرضَون أن تذهب أموالهم وتُحْرب من أيديهم ولا يُحرب المرء من زوجته وبنيه، ولو كان فوق ما قال الله عقوبةٌ لكانت لمن يسلب الفروج وحسبكم من بلاء صحبة الجهال وخصوصاً في الفتيا والقضاء (?).
ولم تدم مدته في القضاء بل لم يجلس فيه إلا سنة وأشهراً.
يقول صاحب البيان المغرب 4/ 93: ولم تمضِ سنة وأشهر على ولايته القضاء حتى ثارت الغوغاء في وجهه ونُكب، فانصرف عن القضاء أو صُرف عنه والتحق بقرطبة، وبها جماعة من محبيه ومعارفه، فانقطع للعلم والبحث وقد استراح من أعباء القضاء.
ولمّا وصل إلى قرطبة أقبل عليه طلبة العلم للاستفادة منه ومذاكرته والاستماع إلى دروسه. يقول عنه أحد طلابه وهو أبو القاسم: كنا نبيت معه في منزله بقرطبة، فكانت الكتب عن يمينه وعن شماله، وإذا غلبه النوم نام ومهما استيقظ مدّ يده إلى كتاب وكان مصباحه لا ينطفئ الليل كله (?).
ويسوق لنا المراكشي قصة ثورة السفهاء على القاضي بقوله: وثارت السفلة بأشبيلية على قاضيهم أبي بكر بن العربي؛ وذلك أنه كان له في عقاب الجناة اختراعات مهلكات ومضحكات فانتدب أنفساً جملة صلبًا وضربًا وسِيق إليه أحد الزمرة فأمر بضرب يديه وثقب شدقيه .. وظلّ ابن العربي يوالي التشدد والتسلط حتى ثقل على الفساق والأشرار فهاجروا (?).
كان ابن العربي من أثرياء الأندلس، وكان ينفق ماله في سبيل الخير. يقول عنه الذهبي: اشتهر اسمه وكان رئيساً محتشماً وافر الأموال بحيث أنشأ على أشبيلية سوراً من ماله (?).