الصدقة، فأكلوها. ولله در عمر فما أفقههُ رأى السائل قد سأل باسم الحاجة وهو غني لم يفسر مسألته، ولا فضَّل قدر ما يحتاج، فوجبَ رد ما بيده على أربابه ولم يتعينوا لعمر رضي الله عنه فيردها عليهم فوجب التصدُّقُ بها، فكره أن يحملها يطلب المساكين المستحقينَ لها لوجهين:
أحدهما: مَا في ذلك من التكليف عليهِ.
والثاني: ما في ذلك من تأخير إنفاذِ ما وجبَ عليهِ، وقد أسرعَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في صَلاةٍ، ثم دخَلَ بيته وخرج بتبرٍ كان عنده واعتذر أنه قام لأجله (?)، وقالت له أم سلمة رضي الله عنها: ما ليِ أراك قد أصبحت ساهم الوجه؟ فقالَ لها: (إن دنانير كنتُ نسيتُها تحت الفراش فباتت فيهِ). فانظر إلى ما كان يعتقدُ في سرعة التنفيذ أن تختصر لأجله الصلاة وتتغير له نفسه الكريمة حتى يظهر أثر التغيير على غرّته البهية.
الرابع: حقُّ المعطي فإنه ينبغي أن لا يرد في وجهه ما يعطيهِ كان قليلاً أوكثيراً، ولا يحل له أن يقولَ بهذا تستقبلني، فإن الله لم يحقرِ أن يستقبلَ به، فكيفَ يستحقره الآدمي الذي يأخذه وإن استحقره صغيراً ليرينه كثيرًا وقد جاء هذا فعلاً في كتاب الله تعالى، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ في الصَّدَقَاتِ} (?) يُريد بالمطوَّع الذي يعطي ما خفَّ عليهِ، ثم قال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} يريدُ الذي يُعطي ما قدرَ عليه. فهذه مرتبتان حَسنتان، وان كانت الآخرة منهما أشرف من الأولى.
الخامس: حال الشيء المعطى. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يا نساءُ المؤمنات) (?) على إعراب النداء المضاف على ما بيناه في رسالة الملجِئة (لا تحقرن إحداكنَّ لجارتها ولو كراع