وقول العرب بخٍ بخٍ كنايةً عن تشريف الأمر والرغبة فيه كما تقدَّم في الحديث، كما أن قولَهم كَخٍ كَخٍ كلمةٍ تقولها العربُ عند تحقير الشيء والنفرة (?) عنهُ، كما قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لولدهِ حين رأي تمرة الصدقة في فيهِ: (كخٍ كخٍ) (?)، وكذلك رابح معناه وجوب الزيادة فيه، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (رايح) بالياء، معنَاهُ دوام المثوبة عليه.
الثالث: حال المعطي: كقولهِ - صلى الله عليه وسلم -: (أعطوا السائل ولو جاءَ على فرسٍ) (?) فإن للسائل حقاً لا يؤديه إلا الإجابة، ولذلك كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يُسألُ قط شيئاً إلا أعطاه لئلا يبقى عليه درك، ولكن إذا صدق السائل فإنه مع الصدق تحلُّ له المسألةِ الكثيرة والقليلةُ وما يحتاج إليه وما لا يحتاج إليه، وما رأيت أصدق من السؤال ببغداد. رأيتُهم بجامعِ الخليفةِ، يقول قائلهم: أيها الناس ارحموني أخوكم لا يأتي الجمعة إلا في ثياب المهنةِ، ولا يقدرُ على إقامةِ ما يجبُ لها من السَّنية، فشاهَدتهم يخلعونَ عليه ثياب الجمعة ويروح بها في الثانية، وشاهدتُ سائلهم يقول: أيها الناس ارحموني اشتهيت حذاية (?) وما أكلتها منذ عامٍ والقدر منها بدينارٍ (?)، فرأيتُهم يتصدقون عليه بدينارٍ، وهكذا في كل ما يطلبون، فإن كذب السائلُ حَرُمَ عليه ما يأخذ، ووجب عليه رده، روي أن عمرَ رضي الله عنه مر بسائِل على عنقه مخلاة مملوءة كسراً وتمراً، فخفقَهُ بالدرة وأمر بها ففرغت بين يدي نعم