الكناية من الإفهام فإنها أبلغ من صَريح الكلام، وأما أبو حنيفة فهو أعجمي فلا يستنكر عليهِ الجهل بهذه المسألةِ فأراد أن يتفصَّح ويتفقَّهَ ليثبت دعواه في العربية فقال: لو قالَ رجل لإمرأتِهِ زنأت (?) في الجَبَل وجبَ عليه الحد، والزنو هو الارتقاء فيه فخافَ أبو حنيفة أن يريدَ زنيت فيأتي بالمعنى ليخفي السبَّ، وهذا رجوع إلى مذهب مالك في وجوب الحد بالتعريض (?)، وفروع القذف كثيرة أمهاتها مسألتان:
الأولى: اختلف العلماء في حد القذفِ، فمنهم من قال هو حقٌّ لله تعالى قال به أبو حنيفة (?)، وقالت طائفة: هو حقٌّ للآدمي، قال به الشافعيُّ وعن مالك الروايتان (?). المشهور أنه حقٌّ للآدمي، وقد بينا في صريح الخلافِ وتخليصه أن فيه شائبة حق لله، وشائبة حق للآدمي، إلَّا أن المغلب شائبة حق الآدمي، والمعوَّل لمن قال إنه حق الآدمي وقوف استيفائه على مطالبة الآدمي، وليسَ للقوم متعلق به احتقالٌ، إلَّا أنهم قالوا لو كان حقاً للآدمي لما شرط بالرق والحريةِ. قلنا قد شطر حق الآدمي بالرقِ، والحرية كالنكاحِ والطلاق فإن قيل لو كان للآدمي لجاز إسقاطه بالعفوِ كالقصاص. قلنا كذلك نقول في إحدى الروايتين يجوز العفو عنه (?) مطلقًا والقول بالعفو إذا أراد ستراً ضَعيفٌ، وقد بينا ذلك في كتب المسائلِ.
الثانية: اتفق علماء الأمصارِ على أن القاذفَ إذا تابَ قبلت شهادته وخالفهم أبو حنيفة أخذاً بظاهر قولِ الله تعالى: (ولا تقبلوا لهم شهادةً أبداً) (?) وعجباً له. متى تفرست (?).
تتميم: لم يبق في الدين ظاهراً إلا تركه، فلم يبقَ عليهِ إلَّا مراعاة هذا ولو راعاه كما