أوجب حمّى فَإِذا عوود أوجب فِي مثل ذَلِك الْوَقْت تِلْكَ الْحمى وَلَو ترك وَأصْلح لَكَانَ لَا يُوجب فَيكون السَّبَب فِي أدواره وعوداته عودات التَّدْبِير وأدواره لَا أدوار مواد تنصب وعوداتها. قَالَ: فَيجب أَن يُرَاعى فِي امتحان هَذِه الْعلَّة هَذَا الْمَعْنى حَتَّى لَا يَقع غلط على أَن جالينوس كالمنكر لوُجُود هَذِه الحميات وكالموجب أَن يكون لأمثالها أصل آخر لَكِن بقبراط قد حقق القَوْل فِي وجود السَّبع وَالتسع وَلَيْسَ ذَلِك يبين التَّعَذُّر وَلَا وَاضح الاستحالة حَتَّى يحْتَاج أَن يرجع فِيهِ إِلَى التَّأْوِيل والأقاويل الَّتِي قَالَهَا بقراط فِي بَاب هَذِه الحميات إِن السَّبع طَوِيلَة وَلَيْسَت قتالة وَالتسع أطول مِنْهَا وَلَيْسَت قتّالة وَقَالَ أَن الخماسية أردأ الحميات لِأَنَّهَا تكون قبل السل أَو بعده وَقَول جالينوس فِيهِ كَمَا تعلمُونَ وَأَنا أَظن لهَذَا القَوْل وَجها مَا وَهُوَ أَن يكون السل يَعْنِي بِهِ الدقّ وَيكون قَوْله الخماسية مَوْضُوع قَضِيَّة مُهْملَة لَا تَقْتَضِي الْعُمُوم فَيكون كَأَنَّهُ يَقُول أَن من الخماسية صنفا من أردأ الحميات لِأَنَّهَا تكون قبل الدق وَبعده وَيكون معنى قَوْله ذَلِك أَن الحميات إِذا طَالَتْ واَذت واختلطت وَاخْتلفت تأذت كثيرا إِلَى اشتعال الْأَعْضَاء الرئيسة وَإِلَى الدق وَمن شَأْن أَمْثَال هَذِه الحمّيات أَن تقف فِي آخرهَا على نمط وَاحِد وَأكْثر ذَلِك على الرّبع وَقد بَينا هَذَا لَكِنَّهَا إِنَّمَا تُؤدِّي إِلَى الرّبع إِذا كَانَ فِي الأخلاط غزارة وَفِي الرطوبات كَثْرَة وَأما إِذا كَانَ الذوبان قد كثر والاستفراغات المحسومة وَغير المحسوسة قد تَوَاتَرَتْ لم تبْق للأخلاط رمادية إِلَّا أقلّ وَإِلَّا أغْلظ. وَذَلِكَ يُوجب أَن تكون النّوبَة أَبْطَأَ وَيكون مَا كَاد يكون ربعا خمْسا وَفِي مثل هَذِه الْحَال بالحري أَن يكون الْبدن مستعداً لِأَن يشتعل وَيصير دقاً وَأَيْضًا فَإِن الدق إِذا سبق لم يبعد أَن يحدث للأخلاط رمادية مَا قَليلَة لقلتهَا فِي أَوَاخِر الدق ويعرض لتِلْك الرمادية عفونة فَتحدث حمى وَقد نهكت الحمّى الدقية الْبدن فَتكون رَدِيئَة من حَيْثُ أَنَّهَا عَلامَة إحتراق خلط مَا بَقِي مِنْهُ إِلَّا يسير فَكَانَت حراقة يسيرَة وَمن حَيْثُ أَنَّهَا بِسَبَب ازدياد الْحمى وتضاعفها. وَلَا يجب أَن يُنكر أمراض لم يتَّفق أَن تشاهد فِي زمَان مَا أَو بِلَاد مَا فَإِن هَذَا الْجِنْس لَا يُحْصى كَثْرَة وَلَا أَيْضا يجب أَن يُقَال أَنه إِن كَانَ خمس فَلَا بُد من مَادَّة خَامِسَة فَإِن السَّوْدَاء إِنَّمَا دارت ربعا لَا لنَفس أَنَّهَا سَوْدَاء بل لأجل أَنَّهَا قَليلَة غَلِيظَة. وَقد لَا يبعد أَن تكون فِي بعض الْأَبدَان سَوْدَاء قَليلَة غَلِيظَة تعرض لَهَا العفونة وَلَيْسَ لقَائِل أَن يَقُول يجوز فِي البلغم أَن يصير لَهَا نوبَة أُخْرَى إِذا غلظ قل فَإِن التجويز أَمر وَاسع قَلما يتَمَكَّن من إِلْزَام نقيضه ثمَّ لَيْسَ الْحَال فِي تَجْوِيز مَا لم يُرَ قَط وَلم يسمع وَلم يشْهد بِهِ مجرب أَو عَالم كتجويز مثل مَا شهد بِهِ مثل بقراط وَقد حَدثنِي أَنه قد شَاهد التسع وَأما الْخمس فقد شَاهَدْنَاهُ مرَارًا وَلم نضطر لذَلِك إِلَى أَن نقُول أَن هَهُنَا خلطاً آخر.