وَكَانَت عافيته وَإِذا كَانَ بعض الْمَوَاضِع وارماً ثمَّ خفت مضرَّة الْحَرَارَة والعطش وظننت أَنه يُؤَدِّي إِلَى الذبول لم يمْنَع المَاء الْبَارِد. فَإِن ازدياد الورم أَو فجاجته رُبمَا كَانَ خيرا من الذبول والسكنجبين رُبمَا سكن الْعَطش وَقطع وَأطلق وَلَيْسَت مضرته بالورم كَثِيرَة كمضرة المَاء وَلَيْسَ لَهُ جمع الْمَادَّة وتكثيفها. وَكَذَلِكَ الجلاّب الْكثير المزاج وَإِذا لم يجز أَن يشرب المَاء الْبَارِد فأقدم عَلَيْهِ خيف أَن يحدث تقبّضاً من المسام فَيصير سَببا لحمى أُخْرَى لحدوث سدّة أُخْرَى وَرُبمَا كَانَت أشدّ من الأولى. وَإِذا صَادف عضوا ضَعِيفا أفسد فعله فكثيراً مَا عَسُر الازدراد وعسر النَّفس وأحدث رعشة وتشنّجاً وَضعف مثانة أَو كُلية أَو قولون وَأكْثر من يجب أَن يمنعهُ مِنْهُم المَاء الْبَارِد من يتَضَرَّر بِهِ فِي صِحَّته بل إِذا رَأَيْت السخنة قَوِيَّة والعضل غَلِيظَة والمزاج حاراً يَابسا واستفرغت فَرخص أَحْيَانًا فِي الاستنقاع فِي المَاء الْبَارِد. وَعند الانحطاط وَظُهُور عَلَامَات النضج والاستفراغ للأخلاط فَلَا بَأْس أَن يسْتَعْمل الْحمام وَشرب الشَّرَاب الرَّقِيق الممزوج والتمريخ بالأدهان المحلّلة فَإِذا اسْتعْملت القوانين الْمَذْكُورَة فِي أول عرُوض الحمّى فَيجب بعد ذَلِك أَن تشتغل بالإنضاج والاستفراغ الَّذِي لَيْسَ على سَبِيل التقليل والتجفيف وَقد ذَكرْنَاهُ بل على سَبِيل قطع السَّبَب وَلَا تستفرغ الْمَادَّة غير نضيجة فِي حَار أَو بَارِد إِلَّا لضَرُورَة فَرُبمَا كثر الاستفراغ من غير الْخَلْط الْغَيْر المتهيىء للاستفراغ بالنضج. وَرُبمَا خلط الْخَبيث بالطيب لتحريك الْخَبيث من غير إنضاجه وَلَا تصغ إِلَى الرجل الَّذِي زعم أَن الْغَرَض فِي الإنضاج الترقيق والخلط الحاد رَقِيق لَا حَاجَة إِلَى ترقيقه فَلَيْسَ الْأَمر كَمَا يَقُوله بل الْغَرَض فِي الإنضاج تَعْدِيل قوام الْمَادَّة حَتَّى تصير متهيئة للدَّفْع السهل وَالرَّقِيق المتسرب والغليظ الناشب واللزج اللحج كل ذَلِك غير مستعد للدَّفْع السهل بل يحْتَاج أَن يثخن الرَّقِيق قَلِيلا ويرقّق الثخين قَلِيلا وَيقطع اللزج. وَلَو أَن هَذَا الرجل لم يسمع فِي كَلَام الْمُتَقَدِّمين فِي النضج شَيْئا من قبيل مَا قُلْنَاهُ وَتَأمل حَال نضج الأخلاط المنفوثة أَن الرقيت! مِنْهَا يحْتَاج أَن يخثر والخاثر يحْتَاج أَن يرقّق لَكَانَ يجب أَن يَهْتَدِي مِنْهُ ولِمَ لَيْسَ يتَأَمَّل فِي نَفسه فَيَقُول مَا بَال الْقَوَارِير فِي الحمّيات الحادة لَا تكون فِي ابتدائها ذَات رسوب ثمَّ تصير ذَات رسوب وَهل الراسب الْمَحْمُود شَيْء غير الْخَلْط الْفَاعِل للمرض وَقد نضج فَلم لَيْسَ ينْدَفع فِي أَوَائِل الْأَمر أَن كَانَت الرقّة هِيَ الْغَايَة الْمَقْصُودَة فِي النضج فَمن الْوَاجِب أَن يكون فِي أَوَائِل حميات الدَّم والصفراء رسوب مَحْمُود. فَإِن كَانَت الطبيعة لَا يُمكنهَا دفع ذَلِك الْفضل إِلَّا بعد وَقت يصير فِيهِ مستعداً للدَّفْع فِي الْبَوْل فَكَذَلِك الصِّنَاعَة يجب أَن يعلم أَن استفراغها للخلط قبل مثل ذَلِك الْوَقْت الَّذِي يظْهر فِيهِ النضج فِي القارورة مُمْتَنع أَو متعسر مستصعب وَرُبمَا حرك وَلم يفعل بلاغاً وَرُبمَا خلط الْخَبيث بالطيب وَكَانَ الأولى بِهَذَا الْإِنْسَان أَن يحسن الظَّن بِمثل جالينوس