حديث طلوع الشمس من مغربها

وإيثاره على الهوى فيستمر له حكم ذلك بعد انكشاف الحجة، وهو بمنزلة الظمآن الذي يطلب الماء حتى ظفر به، فأراد أن يشرب فقال له مصلط: إن لم تشرب ضربتك أوسجنتك. فمثل هذا لا يقال إذا شرب إنه إنما شرب مكرهاً.

الوجه الثاني: أن وضوح الحجة للمؤمن لا يستمر بدون جهاد، لأن الشبهات لا تزال تحوم حول المؤمن لتحجب عنه الحجة وتشككه فيها، والشهوات تساعدها فثباته على الإيمان برهان على دوام صدق محبته للحق، وايثاره على الهوى.

وأما الاعتراف فالأمر فبه واضح، فإن وضوح الحجة عند المؤمن لا يكون مكشوفاً لغيره، فليس في معنى المكره على الاعتراف، بل أنه إذا ذكرنا أن الحجة واضحة عنده وجد كثيراً من الناس يكذبونه أو يرتابون في دعواه.

وهكذا حاله في الطاعة من عمل وكف، فأن انكشاف الحجة في الإيمان الاعتقادي لا يستلزم إنكشاف الحجج الأخرى التي تترتب عليها الطاعات، وهب أن هذه انكشفت له أيضاً، فقد بقيت شبهات أخرى، لولا صدق حبه للحق وإيثاره على الهوى لأمكنه التشبث بها، كأن يقول: ينبغي أروح عن نفسي فإن لي حسنات كثيرة لعلها تغمر هذا التقصير، أرى لعلها تنالني من شفاعة الشافعين، أولعل الله يغفر لي، أو أتمتع الآن ثم أتوب. وقال الله تبارك وتعالى: «هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً» الأنعام: 158 وفي (الصحيحين) وغيرهما من حديث أبي هريرة قال: «قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون، وذلك حين «ينفع نفساً أيمانها» ثم قرأ الآية» . ونحوه من حديث أبوذر وابن مسعود وأبي سعيد الخدري وصفوان بن عسال وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله ابن عباس وعبد الله بن عمروبن العاص وغيرهم.

والأخبار بأن الشمس سوف تطلع من مغربها متواترة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومعنى ذلك أن ما يشاهد الآن من سيرها ينعكس، فسكان هذا الوجه الذي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015