والنصر والفتح المبين والعز والشرف وانزواء الرذائل، قد رأيناها في دراستنا لدولة الخلفاء الراشدين، ودولة عمر بن عبد العزيز، ودولة يوسف بن تاشفين، ودولة محمد الفاتح وهي من سنن الله الجارية والماضية والتي لا تتبدل ولا تتغير، فأي قيادة مسلمة تسعى لهذا المطلب الجليل والعمل العظيم مخلصة لله في قصدها، مستوعبة لسنن الله في الأرض فإنها تصل إليه ولو بعد حين، وترى آثار ذلك التحكيم على أفرادها ومجتمعاتها ودولها وحكامها كما سنرى
ذلك في سيرة نور الدين محمود وعصره بإذن الله تعالى.
إن التوفيقات الربانية العظيمة في تاريخ أمتنا يجريها الله تعالى على يدي من أخلص لربه ودينه وأقام شرعه وقصد رضاه وجعله فوق كل اعتبار قال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما (النساء: 65).
وقال الشاعر أحمد رفيق المهدوي الليبي:
فإذا أحب الله باطن عبده ... ظهرت عليه مواهب الفتاح
وإذا صفت لله نية مصلح ... مال العباد عليه بالأرواح
2 - ومن معالم التجديد بناء دولة العقيدة على منهج أهل السنة والجماعة: فقد جعل من العقيدة الإسلامية الصحيحة العمود: الفقري لدولته وكان رحمه الله يملك رؤية نهوض قائمة على إحياء السنة وقمع البدعة، قال عنه ابن كثير: أظهر نور الدين ببلاده السنة وأمات البدعة وأمر بالتأذين بحي على الصلاة حى على الفلاح ولم يكن يؤذن بهما في دولتي أبيه وجده، وإنما كان يؤذن بحي على خير العمل لأن شعار الرفض كان ظاهراً (?): وكان نور الدين يتحرى سنة النبي صلى الله عليه وسلم في أموره كلها ومن أعظم إنجازات دولته إسقاط الدولة الفاطمية بمصر وكان الفضل الله ثم للحملات المتوالية التي أرسلها نور الدين محمود حتى خلص المسلمين من شرورها وأعلن تبعية مصر للخلافة العباسية السنية، وكان رأى نور الدين في الدولة الفاطمية العبيدية يتلخص في رسالته للخليفة العباسي وهو يبشره بفتح مصر وسقوط دولة الإلحاد والرفض والبدع (?) ويقول فيها: وطالما بقيت مائتين وثمانين سنة مملؤة بحزب الشياطين ... حتى أذن الله لغمتها بالانفراج واجتمع فيها داءان الكفر والبدعة وتمكنا من إزالة الإلحاد والرفض، ومن إقامة الفرض (?) وسيري القارئ الكريم بإذن الله فقه نورالدين