المبحث الخامس: النظام الاقتصادي والخدمات الاجتماعية:

أولا: مصادر دخل دولة نور الدين وسياسته الاقتصادية:

أولاً: مصادر دخل دولة نور الدين وسياسته الاقتصادية: ثمة سؤال يفرض نفسه قبل الحديث عن هذا الموضوع، فنور الدين محمود أنفق مقادير كبيرة من المال في تغطية الخدمات الاجتماعية المتشعبة الواسعة وأسقط في الوقت نفسه مبالغ نقدية أكبر منها حجما كانت تنصب في خزائن الدولة ضرائب ومؤنا ورسوماً ومكوساً، فمن أين كانت دولة نور الدين تحظى بموردها الدائم الذي يحميها من العجز، وكيف مضت حتى النهاية تصدر المناشير بإسقاط المكوس والضرائب، وتنفق عن سعة في ميادين الخدمات الاجتماعية دون أن يصيبها الخلل فتوقف - على الأقل - عن العطاء إن لم نقل ترجع ثانية فتفرض على المواطنين ما يمكنها من سد الفتق واستعادة التوازن والقدرة على العمل؟ إن دولة نور الدين لو لم تحظ بالقدر الكافي من المال وبشكل دائم لما واصلت سياستها تلك آخر لحظة، ولما وصفها العماد بأنها كانت: نافذة الأوامر منتظمة الأمور (?). وقد كانت خزائن الدولة تحظى دوماً بالقدر الكافي من المال، وكانت الدولة لها القدر على الإنفاق في المجال العسكري والاجتماعي والتعليمي وغيرها بسبب سياسة نور الدين الحكيمة وإليك شيء من التفصيل:

1 - نظام القطاع الحربي: اعتمد الزنكيون نظام الاقطاع الحربي للصرف على جيوشهم خلال جهادهم ضد الصليبيين، فقد نشأ نظام الاقطاع الحربي في الشرق الإسلامي في الدولة السلجوقية التي كانت تسير على أساس صرف مرتبات نقدية للجيش النظامي حتى منتصف القرن الخامس الهجري، الحادي عشر الميلادي حيث أدى اتساع رقعة الدولة وصعوبة السيطرة عليها وإرهاق الإدارة المالية بباهظ المرتبات التي تصرف للجيش، إلى تفكير الوزير نظام الملك في الاستعاضة عن المرتبات النقدية، بالاقطاعات من الأراضي لمختلف عناصر الجيش (?)، وقد انتقل نظام الإقطاع الحربي كاملاً إلى الدولة الزنكية التي نبتت وترعرعت في أحضان السلاجقة ثم ورثتهم بعد ذلك (?). وقد ارتبط الإقطاع الحربي في عصر الزنكيين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015