الله تعالى عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد مرجعه صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك لكي يدعو له ويصلي عليه بعد موته، وفعلا توجه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا له وصلى عليه صلاة الجنازة وهو على قبره وقد ذكر عمر رضي الله تعالى عنه النبي صلى الله عليه وسلم بجميع مواقف هذا المنافق التي وقفها ضد الدعوة المحمدية.
ألم تكن هذه استغاثة تمكن منها النبي صلى الله عليه وسلم في حياته الدنيوية في حق ابن أبيّ بن سلول؟ ولكن ماذا كان من أمرها، وشأنها فيما بعد، هل نفعت صاحبه مع اعترافه بمقام النبي صلى الله عليه وسلم الرفيع عند مولاه جل وعلا؟
نعم: ينزل القرآن بعد وقفات قليلة مبينا حال هذه الاستغاثة، وقيمتها إذ يقول جل وعلا مخاطبا نبيه الشافع العظيم في يوم الجزاء صلى الله عليه وسلم {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} نقف هنا قليلا لكي نطلع على موقف المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية الكريمة هل توقف عليه الصلاة والسلام عن الاستغفار والدعاء له من ربه جل وعلا في حق ابن أبيّ بن سلول فثارت فيه عاطفته العظيمة ورحمته المثالية، ورأفته الشامخة كما وصف الله جل وعلا فاستمر في الدعاء والاستغفار للمنافق المذكور وقال صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى لم ينهني في هذه الآية صراحة عن الاستغفار والدعاء وسوف أزيد عليه فوق السبعين ما لم أنه عنه، ولا يزال الفاروق يذكره مواقف هذا الظالم المنافق ويقول له صلى الله عليه وسلم فداك أبي وأمي إن الله قد نهاك في هذه الآية وقد وردت الأحاديث الصحيحة الكثيرة في هذا المعنى، ولم يقتنع المصطفى عليه الصلاة والسلام بكلام عمر رضي الله تعالى عنه ثم ينزل القرآن الكريم لفصل الخطاب إذ يقول جل وعلا: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} . ولقد عرفنا إن شاء الله تعالى أثناء سرد هذه الأدلة من الكتاب والسنة أن تسمية الشيخ النبهاني لكتابه ذلك باطل شرعا، وعقلا، وأما الشرع فقد مضت بعض الأدلة على ذلك فارجع إليها أيها الأخ الكريم بالنظر الصحيح، والعقل السليم، وأما العقل فهو يمنع الإنسان الفطري عن هذه الغواية،