المجتهد بعد اجتهاده في حكم؛ ممنوع من تقليد غيره من المجتهدين فيه. انتهى. ولا يرد علينا ذلك؛ لأن الرد على المجتهد لا المقلد في ذلك؛ وأما صحة الإقدام على التقليد لما هو مخالف لمذهبه من المسائل؛ فلما قدمناه عن الأصوليين على الصحيح، ولما قاله في "يتيمة الدهر".

سئل الإمام الجخندي ص 137 عن رجل شافعي ترك صلاة سنة أو سنتين، ثم انتقل إلى مذهب أبي حنيفة، فقال: على أي المذهبين قضى بعد أن يعتقد جوازها؛ جاز. انتهى. وهذا نص في صحة التقليد بعد العمل، بخلاف ما عمل من جنسه؛ فتحصل مما ذكرناه أنه ليس على الإنسان التزام مذهب معين، وأنه لا يجوز له العمل بما يخالف ما عمله على مذهبه مقلداً غير إمامه، مستجمعاً شروطه، وأن يعمل بأمرين متضادين في حادثتين لا تعلق الواحدة منهما بالأخرى، وليس له إبطال ما فعله بتقليد إمام آخر؛ لأن إمضاء الفعل كإمضاء القاضي، ولا ينقض تتمة حقيقة التقليد العمل بقول من ليس قوله أحد الحجج الأربع الشرعية بلا حجة منها؛ فليس له الرجوع إلا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم، والإجماع منه التقليد، لأن كلاً منهما حجة شرعية من الحجج الأربع، وعلى هذا اقتصر الكمال في "تحريره"، وقال ابن أمير حاج: وعلى هذا عمل العامي بقول المفتي، وعمل القاضي بقول العدول؛ لأن كلاً منهما، وإن لم يكن إحدى الحجج الأربع، فليس العمل به إلا حجة شرعية، لإيجاب النص، أخذ العامي بقول المفتي، وأخذ القاضي بقول العدول، انتهى.

قلت: وفيه تأمل؛ لأن النص وإن أوجب على العامي الأخذ بقول المفتي مجرداً عن الدليل؛ فعدم علمه بالدليل تقليداً في الحكم، وإلا لزم العامي إمضاء فتوى المفتي، وليس بلازم إلا بالإمضاء بالفعل كما علمت، وقال في "الحاوي القدسي": التقليد جعل الشيء كالقلادة في العنق، حقاً كان أو باطلاً، وهو أنواع: واجب، وجائز، وحرام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015