الصلاة بزرق طائر، فلم يمنعه عمله السابق بمذهبه في ذلك من تقليد المخالف عند الحاجة إليه.
وفي الخادمي أيضاً: إن القاضي أبا عاصم العامري الحنفي كان يفتي على باب مسجد القفال والمؤذن يؤذن المغرب، فنزل ودخل المسجد، فلما رأى المؤذن القفال أمر المؤذن أن يثني الإقامة، وقدم القاضي، فتقدم وجهر بالبسملة مع القراءة، وأتى بشعار الشافعية في صلاته. انتهى. ومعلوم أن القاضي أبا عاصم، إنما يصلي قبل بشعار مذهبه، فلم يمنعه سبق عمله بمذهبه في ذلك أيضاً، ثم قال السيد السمهودي: ثم رأيت في "فتاوى التقي السبكي": أنه سئل عن ذلك في ضمن مسائل ... إلى أن قال السبكي: ودعوى الاتفاق فيها نظر، وفي كلام غيرهما ما يشعر بالخلاف بعد العمل أيضاً، وكيف يمتنع إذا اعتقد صحته؟ ! ولكن وجه ما قالا إنه بالتزامه مذهب إمام مكلف به، ما لم يظهر له غيره، والعامي لا يظهر له الغير، بخلاف المجتهد، حيث ينتقل من إمارة إلى إمارة، هذا وجه ما قاله الآمدي، وابن الحاجب، ولا بأس به. لكنني أري تنزيله على خصوص العين؛ فلا يبطل ما فعله، ولا فعل جنسه خلافه. انتهى عبارة السيد ملخصاً.
واعلم أنه يجوز العمل بجملة مسائل، كل منها على مذهب إمام مستقل لما علمته، ولقول العلامة بن الهمام: وهل يقلد غيره، أي غير من قلده أولاً في شيء غيره، أي غير ذلك الشيء، كان يعمل أولاً بمسألة في مذهب أبي حنيفة، وثانياً في أخرى بقول مجتهد آخر؛ المختار كما ذكره الآمدي، وابن الحاجب: نعم للقطع بالاستقراء التام، بأنهم، أي المستفتين في كل عصر من زمن الصحابة وهلم جرا كانوا يستفتون مرة واحداً، ومرة غيره، غير ملتزمين مفتياً واحداً، وشاع وتكرر ولم ينكره انتهى، كذا في "شرح ابن أمير حاج".