والقسم الثاني: الذين يريدون الفساد بلا علو، كالسراق والمجرمين من سفلة الناس ونحوهم.

والثالث: الذين يريدون العلو بلا فساد، كالذين عندهم دين يريدون أن يعلو به على الناس.

الرابع: فهم أهل الجنة، الذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فساداً، مع أنهم قد يكونون أعلى من غيرهم، قال الله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (?). فكم ممن يريد العلو في الأرض ولا يزيده ذلك إلا سفلاً، وكم ممن جعل من الأعلين، وهو لا يريد العلو ولا الفساد؛ وذلك لأن إرادة العلو على الخلق ظلم، لأن الناس من جنس واحد، فإرادة الإنسان أن يكون هو الأعلى ونظيره تحته ظلم له، ثم مع انه ظلم؛ فالناس يبغضون من هو كذلك، ويعادونه؛ لأن العادل منهم يحب أن يكون مقهوراً لنظيره، وغير العادل منهم يؤثر أن يكون هو القاهر، ثم انه مع هذا لا بد لهم في العقل والدين من أن يكون بعضهم فوق بعض، كما قدمناه. كما أن الجسد لا يصلح إلا برأس، قال تعالى: {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ} (?)، فجاءت الشريعة بصرف السلطان والمال في سبيل الله. فإذا كان المقصود بالسلطان والمال هو التقرب إلى الله وإقامة دينه وإنفاق ذلك في سبيله؛ كان ذلك صلاح الدين والدنيا. وان انفرد السلطان عن الدين، أو الدنيا عن السلطان؛ فسدت أحوال الناس. وإنما يتميز أهل طاعته عن أهل معصيته؛ بالنية والعمل الصالح، كما في الحديث الصحيح: "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم؛ وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم". انتهى ملخصاً (من كلام الشيخ ابن تيمية في السياسة الشرعية في حكم الراعي والرعية" رحمه الله تعالى).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015