ضروب من الْمصَالح وَالْمَنَافِع لتي لَا يحصيها علمه وَلَا فكرته بل مصلحَة العَبْد فِيمَا يكره أعظم مِنْهَا فِيمَا يحب
فعامة مصَالح النُّفُوس فِي مكروهاتها كَمَا أَن عَامَّة مضارها وَأَسْبَاب هلكتها فِي محبوباتها فَانْظُر إِلَى غارس جنَّة من الجنات خَبِير بالفلاحة غرس جنَّة وتعاهدها بالسقي والإصلاح حَتَّى أثمرت أشجارها فَأقبل عَلَيْهَا يفصل أوصالها وَيقطع أَغْصَانهَا لعلمه أَنَّهَا لَو خليّت على حَالهَا لم تطب ثَمَرَتهَا فيطعمها من شَجَرَة طيبَة الثَّمَرَة حَتَّى إِذا التحمت بهَا واتحدت وأعطت ثَمَرَتهَا اقبل بقلمها وَيقطع أَغْصَانهَا الضعيفة الَّتِي تذْهب قوتها ويذيقها ألم الْقطع وَالْحَدِيد لمصلحتها وكمالها لتصلح ثَمَرَتهَا أَن تكون بِحَضْرَة الْمُلُوك ثمَّ لَا يَدعهَا ودواعي طبعها من الشّرْب كل وَقت بل يعطشها وقتا ويسقيها وقتا وَلَا يتْرك المَاء عَلَيْهَا دَائِما وَإِن كَانَ ذَلِك أَنْضَرُ لورقها وأسرع لنباتها ثمَّ يعمد إِلَى تِلْكَ الزِّينَة الَّتِي زينت بهَا من الأوراق فيلقي عَنْهَا كثيرا مِنْهَا لِأَن تِلْكَ الزِّينَة تحول بَين ثَمَرَتهَا وَبَين كَمَال نضجها واستوائها كَمَا فِي شجر الْعِنَب وَنَحْوه فَهُوَ يقطع أعضاءها بالحديد ويلقي عَنْهَا كثيرا من زينتها وَذَلِكَ عين مصلحتها فَلَو أَنَّهَا ذَات تَمْيِيز وَإِدْرَاك كالحيوان لتوهمت أَن ذَلِك إِفْسَاد لَهَا وإضرار بهَا وَإِنَّمَا هُوَ عين مصلحتها
وَكَذَلِكَ الْأَب الشفيق على وَلَده الْعَالم بمصلحته إِذا رأى مصْلحَته فِي إِخْرَاج الدَّم الْفَاسِد عَنهُ بضع جلده وَقطع عروقه وأذاقه الْأَلَم الشَّديد وَإِن رأى شفاة فِي قطع عُضْو من أَعْضَائِهِ أبانه عَنهُ كَانَ ذَلِك رَحْمَة بِهِ وشفقة عَلَيْهِ وَإِن رأى مصْلحَته فِي أَن يمسك عَنهُ الْعَطاء لم يُعْطه وَلم يُوسع عَلَيْهِ لعلمه أَن ذَلِك أكبر الْأَسْبَاب إِلَى فَسَاده وهلاكه وَكَذَلِكَ يمنعهُ كثيرا من شهواته حمية لَهُ ومصلحة لَا بخلا عَلَيْهِ فأحكم الْحَاكِمين وأرحم الرَّاحِمِينَ وَأعلم الْعَالمين الَّذِي هُوَ أرْحم بعباده مِنْهُم بِأَنْفسِهِم وَمن آبَائِهِم وأمهاتهم إِذا أنزل بهم مَا يكْرهُونَ كَانَ خيرا لَهُم من أَن لَا ينزله بهم نظرا مِنْهُ لَهُم وإحسانا إِلَيْهِم ولطفا بهم وَلَو مكنوا من الاحتيار لأَنْفُسِهِمْ