كنت قد عَرفته وأنست بِهِ ثمَّ سَقَطت إِلَى طلب الْفضل حَرمك إِيَّاه عُقُوبَة لَك ففاتك الله وفاتك الْفضل
فعبثت أَيدي سراياه بالنصر فِي الْأَطْرَاف فطار ذكره فِي الْآفَاق فَصَارَ الْخلق مَعَه ثَلَاثَة أَقسَام مُؤمن بِهِ ومسالم لَهُ وخائف مِنْهُ ألْقى بذر الصَّبْر فِي مزرعة فَاصْبِرْ كَمَا صَبر أولو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ فَإِذا أَغْصَان النَّبَات تهتز بخزامى وَالْحُرُمَاتُ قصاص فَدخل مَكَّة دُخُولا مَا دخله أحد قبله وَلَا بعده حوله الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار لَا يبين مِنْهُم إِلَّا الحدق وَالصَّحَابَة على مَرَاتِبهمْ وَالْمَلَائِكَة فَوق رؤوسهم وَجِبْرِيل يتَرَدَّد بَينه وَبَين ربه وَقد أَبَاحَ لَهُ حرمه الَّذِي لم يحله لأحد سواهُ فَلَمَّا قايس بَين هَذَا الْيَوْم وَبَين يَوْم وَإِذْ يمكر الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يخرجوك فأخرجوه ثَانِي اثْنَيْنِ
دخل وذقنه تمس قربوس سَرْجه خضوعا وذلا لمن ألبسهُ ثوب هَذَا الْعِزّ الَّذِي رفعت إِلَيْهِ فِيهِ الخليقة رؤوسها ومدت إِلَيْهِ الْمُلُوك أعناقها فَدخل مَكَّة مَالِكًا مؤيدا منصورا وَعلا كَعْب بِلَال فَوق الْكَعْبَة بعد أَن كَانَ يجر فِي الرمضاء على جمر الْفِتْنَة فنشر بزا طوى عَن الْقَوْم من يَوْم قَوْله أحد أحد وَرفع صَوته بِالْأَذَانِ فأجابته الْقَبَائِل من كل نَاحيَة فَأَقْبَلُوا يؤمُّونَ الصَّوْت فَدَخَلُوا فِي دين الله أَفْوَاجًا وَكَانُوا قبل ذَلِك يأْتونَ آحادا فَلَمَّا جلس الرَّسُول على مِنْبَر الْعِزّ وَمَا نزل عَنهُ قطّ مدت الْمُلُوك أعناقها بالخضوع إِلَيْهِ فَمنهمْ من سلم إِلَيْهِ مَفَاتِيح الْبِلَاد وَمِنْهُم من سَأَلَهُ الْمُوَادَعَة وَالصُّلْح وَمِنْهُم من أقرّ بالجزية وَالصغَار وَمِنْهُم من أَخذ فِي الْجمع وَالتَّأَهُّب للحرب وَلم يدر أَنه لم يزدْ على جمع الْغَنَائِم وسوق الْأُسَارَى إِلَيْهِ فَلَمَّا تَكَامل نَصره وبلّغ الرسَالَة وَأدّى الْأَمَانَة وجاءه منشور إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تقدم من ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً وَيَنْصُرَكَ