فعله وَالظُّلم هُوَ الْمحَال لذاته فَكَأَنَّهُ قَالَ مَاض ونافذ فيّ قضاؤك وَهَذَا هُوَ الأول بِعَيْنِه وَقَوله أَسأَلك بِكُل اسْم إِلَى آخِره توسل إِلَيْهِ بأسمائه كلهَا مَا علم العَبْد مِنْهَا وَمَا لم يعلم وَهَذِه أحب الْوَسَائِل إِلَيْهِ فَإِنَّهَا وَسِيلَة بصفاته وأفعاله الَّتِي هِيَ مَدْلُول أَسْمَائِهِ وَقَوله أَن تجْعَل الْقُرْآن ربيع قلبِي وَنور صَدْرِي الرّبيع الْمَطَر الَّذِي يحيي الأَرْض شبّه الْقُرْآن بِهِ لحياة الْقُلُوب بِهِ وَكَذَلِكَ شبهه الله بالمطر وَجمع بَين المَاء الَّذِي تحصل بِهِ الْحَيَاة والنور الَّذِي تحصل بِهِ الإضاءة وَالْإِشْرَاق كَمَا جمع بَينهمَا سُبْحَانَهُ فِي قَوْله أنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً وَمِمَّا توقدون عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حلية وفى قَوْله {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} ثمَّ قَالَ {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ} وَفِي قَوْله اللَّهُ نور السَّمَوَات وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ الْآيَات ثمَّ قَالَ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يزجي السَّحَاب ثمَّ يؤلف بَينه الْآيَة فتضمّن الدُّعَاء أَن يحيي قلبه بربيع الْقُرْآن وَأَن ينوّر بِهِ صَدره فتجتمع لَهُ الْحَيَاة والنور قَالَ تَعَالَى {أَو من كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِج مِنْهَا}
وَلما كَانَ الصَّدْر أوسع من الْقلب كَانَ النُّور الْحَاصِل لَهُ يسري مِنْهُ إِلَى الْقلب لِأَنَّهُ قد حصل لما هُوَ أوسع مِنْهُ وَلما كَانَت حَيَاة الْبدن والجوارح كلهَا بحياة الْقلب تسري الْحَيَاة مِنْهُ إِلَى الصَّدْر ثمَّ إِلَى الْجَوَارِح سَأَلَ الْحَيَاة لَهُ بِالربيعِ الَّذِي هُوَ مادّتها وَلما كَانَ الْحزن والهم وَالْغَم يضاد حَيَاة الْقلب واستنارته سَأَلَ أَن يكون ذهابها بِالْقُرْآنِ فَإِنَّهَا أَحْرَى أَن لَا تعود وَأما إِذا ذهبت بِغَيْر الْقُرْآن من صِحَة أَو دنيا أَو جاه أَو زَوْجَة أَو ولد فَإِنَّهَا تعود بذهاب ذَلِك وَالْمَكْرُوه الْوَارِد على الْقلب إِن كَانَ من أَمر مَاض أحدث الْحزن زَان كَانَ من مُسْتَقْبل أحدث الْهم وَإِن كَانَ من أَمر حَاضر أحدث الْغم وَالله أعلم