فأوّل السُّورَة رَحْمَة وأوسطها هِدَايَة وَآخِرهَا نعْمَة وحظ العَبْد من النِّعْمَة على قدر حظّه من الْهِدَايَة وحظّه مِنْهَا على قدر حظّه من الرَّحْمَة فَعَاد الْأَمر كلّه إِلَى نعْمَته وَرَحمته وَالنعْمَة وَالرَّحْمَة من لَوَازِم ربوبيّته فَلَا يكون إِلَّا رحِيما منعما وَذَلِكَ من مُوجبَات الهيّته فَهُوَ الْإِلَه الْحق وَإِن جَحده الجاحدون وَعدل بِهِ الْمُشْركُونَ فَمن تحقّق بمعاني الْفَاتِحَة علما وَمَعْرِفَة وَعَملا وَحَالا فقد فَازَ من كَمَاله بأوفر نصيب وَصَارَت عبوديّته عبوديّة الخاصّة الَّذين ارْتَفَعت درجتهم عَن عوام المتعبّدين وَالله الْمُسْتَعَان
النّظر فِي مفعولاته وَالثَّانِي التفكر فِي آيَاته وتدبّرها فَتلك آيَاته المشهودة وَهَذِه آيَاته المسموعة المعقولة فالنوع الأوّل كَقَوْلِه إِنَّ فِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ إِلَى آخرهَا وَقَوله إِنَّ فِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَاب وَهُوَ كثير فِي الْقُرْآن وَالثَّانِي كَقَوْلِه {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآن} وَقَوله {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا القَوْل} وَقَوله {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاته} وَهُوَ كثير أَيْضا
فأمّا المفعولات فَإِنَّهَا دالّة على الْأَفْعَال وَالْأَفْعَال دالّة على الصِّفَات فَإِن الْمَفْعُول يدل على فَاعل فعله وَذَلِكَ يسْتَلْزم وجوده وَقدرته ومشيئته وَعلمه لِاسْتِحَالَة صُدُور الْفِعْل الِاخْتِيَارِيّ من مَعْدُوم أَو مَوْجُود لَا قدرَة لَهُ وَلَا حَيَاة وَلَا علم وَلَا إِرَادَة ثمَّ مَا فِي المفعولات من التخصيصات المتنوعة دالّ على إِرَادَة الْفَاعِل وَأَن فعله لَيْسَ بالطبع بِحَيْثُ يكون وَاحِدًا غير متكرر وَمَا فِيهَا من الْمصَالح وَالْحكم والغايات المحمودة دَال على حكمته تَعَالَى وَمَا فِيهَا من النَّفْع وَالْإِحْسَان وَالْخَيْر دَال على رَحمته وَمَا فِيهَا من الْبَطْش والانتقام والعقوبة دَال