عَن وَجهه لأحرقت سُبْحَانَهُ مَا انْتهى إِلَيْهِ بَصَره من خلقه وَيَكْفِي فِي جماله أَن كل جمال ظَاهر وباطن فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَمن آثَار صَنعته فَمَا الظَّن بِمن صدر عَنهُ هَذَا الْجمال وَيَكْفِي فِي جماله أَنه لَهُ الْعِزَّة جَمِيعًا وَالْقُوَّة جَمِيعًا والجود كُله وَالْإِحْسَان كُله وَالْعلم كُله وَالْفضل كُله ولنور وَجهه أشرقت الظُّلُمَات كَمَا قَالَ النَّبِي فِي دُعَاء الطَّائِف أعوذ بِنور وَجهك الَّذِي أشرقت لَهُ الظُّلُمَات وَصلح عَلَيْهِ أَمر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَقَالَ عبد الله بن مَسْعُود لَيْسَ عِنْد ربكُم ليل وَلَا نَهَار نور السَّمَوَات وَالْأَرْض من نور وَجهه فَهُوَ سُبْحَانَهُ نور السَّمَوَات وَالْأَرْض وَيَوْم الْقِيَامَة إِذا جَاءَ لفصل الْقَضَاء وتشرق الأَرْض بنوره وَمن أَسْمَائِهِ الْحسنى الْجَمِيل وَفِي الصَّحِيح عَنهُ إِن الله جميل يحب الْجمال
وجماله سُبْحَانَهُ على أَربع مَرَاتِب جمال الذَّات وجمال الصِّفَات وجمال الْأَفْعَال وجمال الْأَسْمَاء فأسماؤه كلهَا حسنى وَصِفَاته كلهَا صِفَات كَمَال وأفعاله كلهَا حِكْمَة ومصلحة وَعدل وَرَحْمَة وَأما جمال الذَّات وَمَا هُوَ عَلَيْهِ فَأمر لَا يُدْرِكهُ سواهُ وَلَا يُعلمهُ غَيره وَلَيْسَ عِنْد المخلوقين مِنْهُ إِلَّا تعريفات تعرّف بهَا إِلَى من أكْرمه من عباده فَإِن ذَلِك الْجمال مصون عَن الأغيار مَحْجُوب بستر الرِّدَاء والإزار كَمَا قَالَ رَسُوله فِيمَا يحْكى عَنهُ الْكِبْرِيَاء رِدَائي وَالْعَظَمَة إزَارِي وَلما كَانَت الْكِبْرِيَاء أعظم وأوسع كَانَت أَحَق باسم الرِّدَاء فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ الْكَبِير المتعال فَهُوَ سُبْحَانَهُ الْعلي الْعَظِيم قَالَ ابْن عَبَّاس حجب الذَّات بِالصِّفَاتِ وحجب الصِّفَات بالأفعال فَمَا ظَنك بِجَمَال حجب بأوصاف الْكَمَال وَستر بنعوت العظمة والجلال
وَمن هَذَا الْمَعْنى يفهم بعض مَعَاني جمال ذَاته فَإِن العَبْد يترقّى من معرفَة الْأَفْعَال إِلَى معرفَة الصِّفَات وَمن معرفَة الصِّفَات إِلَى معرفَة الذَّات فَإِذا شَاهد شَيْئا من جمال الْأَفْعَال اسْتدلَّ بِهِ على جمال الصِّفَات ثمَّ استبدل بِجَمَال الصِّفَات على جمال الذَّات وَمن هَهُنَا يتَبَيَّن أَنه سُبْحَانَهُ لَهُ الْحَمد كُله وَأَن أحدا من خلقه لَا يحصي ثَنَاء