هُوَ فِيهَا فَلَا يشْعر بهَا ويحكى أَن أَعْرَابِيًا دخل على الرشيد فَقَالَ أَمِير الْمُؤمنِينَ ثبّت الله عَلَيْك النعم الَّتِي أَنْت فِيهَا بإدامة شكرها وحقق لَك النعم الَّتِي ترجوها بِحسن الظَّن بِهِ ودوام طَاعَته وعرّفك النعم الَّتِي أَنْت فِيهَا وَلَا تعرفها لتشكرها فأعجبه ذَلِك مِنْهُ وَقَالَ مَا أحسن تقسيمه
توجب التصورات والتصورات تَدْعُو إِلَى الإيرادات والإيرادات تَقْتَضِي وُقُوع الْفِعْل وَكَثْرَة تكراره تُعْطِي الْعدة فصلح هَذِه الْمَرَاتِب بصلاح الخواطر والأفكار وفسادها بفسادها فصلاح الخواطر بِأَن تكون مراقبة لوَلِيّهَا وإلهها صاعدة إِلَيْهِ دَائِرَة على مرضاته ومحابّه فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ بِهِ كل صَلَاح وَمن عِنْده كل هدى وَمن توفيقه كل رشد وَمن توليه لعَبْدِهِ كل حفظ وَمن تولّيه وإعراضه عَنهُ كل ضلال وشقاء فيضفر العَبْد بِكُل خير وَهدى ورشد بِقدر إِثْبَات عين فكرته فِي آلائه ونعمه وتوحيده وطرق مَعْرفَته وطرق عبوديته وإنزاله إِيَّاه حَاضرا مَعَه مشاهدا لَهُ نَاظرا إِلَيْهِ رقيبا عَلَيْهِ مطّلعا على خواطره وإرادته وهمّه فَحِينَئِذٍ يستحي مِنْهُ ويجله أَن يطلعه مِنْهُ على عَورَة يكره أَن يطلع عَلَيْهَا مَخْلُوق مثله أَو يرى نَفسه خاطرا يمقته عَلَيْهِ
فَمَتَى أنزل ربه هَذِه الْمنزلَة مِنْهُ رَفعه وقرّبه مِنْهُ وأكرمه واجتباه وولاه وبقدر ذَلِك يبعد عَن الأوساخ والدناآت والخواطر الرَّديئَة والأفكار الدنيئة كَمَا أَنه بعد مِنْهُ وَأعْرض عَنهُ وَقرب من الأوساخ والدناآت والأقذار وَيقطع عَن جَمِيع الكمالات ويتصل بِجَمِيعِ النقائص فالإنسان خير الْمَخْلُوقَات إِذا تقرّب من بارئه وَالْتزم أوامره ونواهيه وَعمل بمرضاته وآثره على هَوَاهُ