الْمَقْدُور الْعَطف عَلَيْهِ اللطف بِهِ فَيصير بَين عطفه ولطفه فعطفه يَقِيه مَا يحذرهُ ولطفه يهوّن عَلَيْهِ مَا قدره إِذا نفذ الْقدر فِي العَبْد كَانَ من أعظم أَسبَاب نُفُوذه تحيله فِي رده فَلَا أَنْفَع لَهُ من الاستسلام وإلقاء نَفسه بَين يَدي الْقدر طريحا كالميتة فَإِن السَّبع لَا يرضى بِأَكْل الْجِيَف
عِنْد قدرهَا وَلم يتجاوزه إِلَى مَا لَيْسَ لَهُ وَلم يَتَعَدَّ طوره وَلم يقل هَذَا لي وتيقّن أَنه لله وَبِاللَّهِ وَمن الله فَهُوَ الْإِيمَان بِهِ ابْتِدَاء وإدامة لَا سَبَب من العَبْد وَلَا اسْتِحْقَاق مِنْهُ فتذله نعم الله عَلَيْهِ وتكسره كسرة من لَا يرى لنَفسِهِ وَلَا فِيهَا خيرا البتّة وَأَن الْخَيْر الَّذِي وصل إِلَيْهِ فَهُوَ لله وَبِه وَمِنْه فَتحدث لَهُ النعم ذلا وانكسارا عجيبا لَا يعبر عَنهُ فَكلما جدد لَهُ نعْمَة ازْدَادَ لَهُ ذلا وانكسارا وخشوعا ومحبة وخوفا ورجاء وَهَذَا نتيجة علمين شريفين علمه بربه وكماله وبره وغناه وجوده وإحسانه وَرَحمته وَأَن الْخَيْر كُله فِي يَدَيْهِ وَهُوَ ملكه يُؤْتِي مِنْهُ من يَشَاء وَيمْنَع مِنْهُ من يَشَاء وَله الْحَمد على هَذَا وَهَذَا أكمل حمد وأتمه وَعلمه بِنَفسِهِ ووقوفه على حَدهَا وقدرها ونقصها وظلمها وجهلها وَأَنَّهَا لَا خير فِيهَا الْبَتَّةَ وَلَا لَهَا وَلَا بهَا وَلَا مِنْهَا وَأَنَّهَا لَيْسَ لَهَا من ذَاتهَا إِلَّا الْعَدَم فَكَذَلِك من صفاتها وكمالها لَيْسَ لَهَا إِلَّا الْعَدَم الَّذِي لَا شَيْء أَحْقَر مِنْهُ وَلَا أنقص فَمَا فِيهَا من الْخَيْر تَابع لوجودها الَّذِي لَيْسَ إِلَيْهَا وَلَا بهَا فَإِذا صَار هَذَانِ العلمان صِيغَة لَهَا لَا صِيغَة على لسانها علمت حِينَئِذٍ أَن الْحَمد كُله لله وَالْأَمر كُله لَهُ وَالْخَيْر كُله فِي يَدَيْهِ وَأَنه هُوَ الْمُسْتَحق للحمد وَالثنَاء والمدح دونهَا وَأَنَّهَا هِيَ أولى بالذم وَالْعَيْب واللوم وَمن فَاتَهُ التَّحْقِيق بِهَذَيْنِ العلمين تلونت بِهِ أَقْوَاله وأعماله