عميت عَنهُ السبيلان من أشباه الْأَنْعَام وَهَؤُلَاء بسبيل الْمُجْرمين أحضر وَلها أسلك الْفرْقَة الثَّالِثَة من صرف عنايته إِلَى معرفَة سَبِيل الْمُؤمنِينَ دون ضدها فَهُوَ يعرف ضدها من حَيْثُ الْجُمْلَة والمخالفة وَأَن كل مَا خَالف سَبِيل الْمُؤمنِينَ فَهُوَ بَاطِل وَإِن لم يتصوره على التَّفْصِيل بل إِذا سمع شَيْئا مِمَّا خَالف سَبِيل الْمُؤمنِينَ صرف سَمعه عَنهُ وَلم يشغل نَفسه بفهمه وَمَعْرِفَة وَجه بُطْلَانه وَهُوَ بِمَنْزِلَة من سلمت نَفسه من إِرَادَة الشَّهَوَات فَلم تخطر بِقَلْبِه وَلم تَدعه إِلَيْهَا نَفسه بِخِلَاف الْفرْقَة الأولى فَإِنَّهُم يعرفونها وتميل إِلَيْهَا نُفُوسهم ويجاهدونها على تَركهَا الله وَقد كتبُوا إِلَى عمر بن الْخطاب يسألونه عَن هَذِه المسالة أَيّمَا أفضل رجل لم تخطر لَهُ الشَّهَوَات وَلم تمر بِبَالِهِ أَو رجل نازعته إِلَيْهَا نَفسه فَتَركهَا لله فَكتب عمر أَن الَّذِي تشْتَهي نَفسه الْمعاصِي وَيَتْرُكهَا لله عز وَجل من الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مفغرة وَأجر عَظِيم وَهَكَذَا من عرف الْبدع والشرك وَالْبَاطِل وطرقه فأبغضها لله وحذرها وحذّر مِنْهَا وَدفعهَا عَن نَفسه وَلم يَدعهَا تخدش وَجه إيمَانه وَلَا تورثه شُبْهَة وَلَا شكا بل يزْدَاد بمعرفتها بَصِيرَة فِي الْحق ومحبة لَهُ وَكَرَاهَة لَهَا ونفرة عَنْهَا أفضل مِمَّن لَا تخطر بِبَالِهِ وَلَا تمر بِقَلْبِه فَإِنَّهُ كلما مرت بِقَلْبِه وتصورت لَهُ ازْدَادَ محبَّة للحق وَمَعْرِفَة بِقَدرِهِ وسرورا بِهِ فيقوى إيمَانه بِهِ كَمَا أَن صَاحب خواطر الشَّهَوَات والمعاصي كلما مرت بِهِ فَرغب عَنْهَا إِلَى ضدها ازْدَادَ محبَّة لضدها ورغبة فِيهِ وطلبا لَهُ وحرصا عَلَيْهِ فَمَا ابتلى الله سُبْحَانَهُ عَبده الْمُؤمن بمحبة الشَّهَوَات والمعاصي وميل نَفسه إِلَيْهَا إِلَّا ليسوقه بهَا إِلَى محبَّة مَا هُوَ أفضل مِنْهَا وَخير لَهُ وأنفع وأدوم وليجاهد نَفسه على تَركهَا لَهُ سُبْحَانَهُ فتورثه تِلْكَ المجاهدة الْوُصُول إِلَى المحبوب الْأَعْلَى فَكلما نازعته نَفسه إِلَى تِلْكَ الشَّهَوَات وشتدت إِرَادَته لَهَا وشوقه إِلَيْهَا صرف ذَلِك الشوق والإرادة والمحبة إِلَى النَّوْع العالي الدَّائِم فَكَانَ طلبه لَهُ أَشد وحرصه عَلَيْهِ أتم بِخِلَاف النَّفس الْبَارِدَة الخالية من ذَلِك فَإِنَّهَا وَإِن كَانَت طالبة للأعلى لَكِن بَين الطلبين فرق عَظِيم أَلا ترى أَن من مَشى إِلَى محبوبه على الْجَمْر