أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خلدين فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمين وقصته مَعْرُوفَة فَإِنَّهُ بنى أساس أمره على عبَادَة الله بِجَهْل فأوقعه الشَّيْطَان بجهله وكفّره بجهله فَهَذَا إِمَام كل عَابِد جَاهِل يكفر وَلَا يدْرِي وَذَاكَ إِمَام كل عَالم فَاجر يخْتَار الدُّنْيَا على الْآخِرَة وَقد جعل سُبْحَانَهُ رضى العَبْد بالدنيا وطمأنينته وغفلته عَن معرفَة آيَاته وتدبرها وَالْعَمَل بهَا سَبَب شقائه وهلاكه وَلَا يجْتَمع هَذَانِ أعنى الرضى بالدنيا والغفلة عَن آيَات الرب إِلَّا فِي قلب من لَا يُؤمن بالمعاد وَلَا يَرْجُو لِقَاء رب الْعباد وَإِلَّا فَلَو رسخ قدمه فِي الْإِيمَان بالمعاد لما رَضِي الدُّنْيَا وَلَا اطْمَأَن إِلَيْهَا وَلَا أعرض عَن آيَات الله وَأَنت إِذا تَأَمَّلت أَحْوَال النَّاس وجدت هَذَا الضَّرْب هُوَ الْغَالِب على النَّاس وهم عمّار الدُّنْيَا وَأَقل النَّاس عددا من هُوَ على خلاف ذَلِك وَهُوَ من أَشد النَّاس غربَة بَينهم لَهُم شَأْن وَله شَأْن علمه غير علومهم وإرادته غير إرادتهم وَطَرِيقه غير طريقهم فَهُوَ فِي وَاد وهم فِي وَاد قَالَ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}
ثمَّ ذكر وصف ضد هَؤُلَاءِ ومآلهم وعاقبتهم بقوله {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جنَّات النَّعيم} فَهَؤُلَاءِ إِيمَانهم بلقاء الله أورثهم عدم الرِّضَا بالدنيا والطمأنينة إِلَيْهَا ودوام ذكر آيَاته فَهَذِهِ مَوَارِيث الْإِيمَان بالمعاد وَتلك مَوَارِيث عدم الْإِيمَان بِهِ والغفلة عَنهُ
العَبْد الرّفْعَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة هُوَ الْعلم وَالْإِيمَان وَلِهَذَا قرن بَينهمَا سُبْحَانَهُ فِي قَوْله {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْم الْبَعْث} وَقَوله {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات} وهؤلاهم خُلَاصَة الْوُجُود ولبه والمؤهلون للمراتب الْعَالِيَة وَلَكِن أَكثر النَّاس غالطون فِي حَقِيقَة مُسَمّى الْعلم وَالْإِيمَان اللَّذين بهما