الضَّرْب الثَّالِث مَا يخْتَلف فِيهِ النَّهْي عَنهُ لما يقْتَرن بِهِ من الْمَفَاسِد أَو لفَوَات شَرط من شَرَائِطه أَو ركن من أَرْكَانه فَهَذَا بَاطِل حملا للنَّهْي على حَقِيقَته فَإِن مَا نهي عَنهُ لما يقْتَرن بِهِ مجَاز إِذا كَانَ الْمَطْلُوب تَركه إِنَّمَا هُوَ المقترن المجاور دون المقترن بِهِ المجاور فَمن اضْطر إِلَى شرب المَاء حرم عَلَيْهِ الْوضُوء بِهِ وَلم ينْه عَنهُ لكَونه طَهَارَة بل نهى عَنهُ لِأَنَّهُ إِذا تَوَضَّأ بِهِ فقد سعى فِي إهلاك نَفسه وَقد نهينَا عَن إهلاك أَنْفُسنَا فَقيل لنا {وَلَا تقتلُوا أَنفسكُم إِن الله كَانَ بكم رحِيما} النِّسَاء 4 / 29
وَأما كَرَاهَة الصَّلَوَات فِي الْأَوْقَات المعلومات فَلَيْسَ مَنْهِيّا عَنهُ لعينها وَكَذَلِكَ التَّسْبِيح فِي الْقعُود لَيْسَ مَنْهِيّا عَنهُ بِعَيْنِه
وَكَذَلِكَ الصّيام فِي يَوْم الشَّك نهى عَنهُ كَرَاهَة أَو تَحْرِيمًا
وَكَذَلِكَ الْأَذْكَار فِي الصَّلَوَات وَقِرَاءَة الْقُرْآن فِي الحشوش وعَلى قَضَاء الْحَاجَات لَيْسَ مَنْهِيّا لكَونه ذكرا أَو قِرَاءَة وَإِنَّمَا نهى عَنهُ لما يقْتَرن بِهِ من سوء الْأَدَب وَقلة الاحترام
وَكَذَلِكَ النَّهْي عَن كثير من الْمُعَامَلَات والأنكحة والنفقات
وعَلى الْجُمْلَة فالأذكار كلهَا مصَالح فَلَا ينْهَى عَنْهَا إِلَّا بِمَا يقْتَرن بهَا من الْمَفَاسِد أَو لما يُؤَدِّي إِلَيْهِ من السَّآمَة والملل
وَالصَّلَاة لَا ينْهَى عَنْهَا إِلَّا لما يقْتَرن بهَا من الْأَمَاكِن والأزمان أَو لما يُؤدى إِلَيْهِ من ترك إنقاذ الغرقى وصون الدِّمَاء والأبضاع