أيامهم وحروبهم في الجاهلية، مما يصوره لنا كتاب شرح النقائض لأبي عبيدة، وكتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني، وقد تلاهما اللغويون والأدباء يعنون بتلك الأيام والحروب عناية واسعة1 على نحو ما هو معروف عن ابن عبد ربه في "العقد الفريد" وابن الأثير في الجزء الأول من كتابه "الكامل"، والميداني في الفصل التاسع والعشرين من كتابه "مجمع الأمثال".

وينبغي أن لا نعلق أهمية تاريخية، أو أدبية على هذا القصص، فإن الرواة حرفوا فيه كثيرا قبل أن يأخذ شكله النهائي عند أبي عبيدة، وغيره من مؤلفي العصر العباسي، وتوضح ذلك توضيحا تاما قصة الزباء ملكة تدمر ببادية الشام في القرن الثالث الميلادي، وهي تلك القصة التي رويت في الكتب العربية عن هشام بن محمد الكلبي2، والتي تزعم أنها بنت عمرو بن الظرب العمليقي، وأن حروبا نشبت بينه وبين جذيمة الأبرش ملك الحيرة، وتنوخ انتهت بقتل عمرو، فاحتالت بنته الزباء على جذيمة، حتى قدم عليها فقتلته، وخلفه ابن أخته عمرو بن عدي، فاحتال بمساعدة أحد أتباعه -ويسمى قصيرًا- حتى انتقم منها في مدينتها التي بنتها على الفرات، بأن حمل إلى حصنها رجالا في جواليق أو صناديق، وفتحت له الحصن، وهي تظنه يحمل بعض عروض التجارة، وخرج الرجال من الجواليق، فقتلوها واستولوا على المدينة. وهي أسطورة لا تتفق في شيء ووثائق التاريخ الروماني الصحيحة عن الزباء، أو كما يسمونها زنبوبيا Zenobia زوج أذينة الذي قتل غدرا، وقد نشرت سلطانها على العراق والشام ومصر وآسيا الصغرى، وصارعت الرومان صراعا عنيفا، حتى تصدى لها "أورليان" وانتصر على جيوشها، وحاصر حاضرتها تدمر، وطال الحصار ويئست من النصر، فحاولت الفرار ولكن جنوده تعقبوها وأسرارها، وأخذها معه أسيرة إلى روما حيث قضيت بقية أيامها3.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015