الفصل الأول: الصنعة في النثر الجاهلي
النثر الجاهلي:
النثر، هو الكلام الذي لم ينظم في أوزان وقواف، وهو على ضربين: أما الضرب الأول فهو االنثر العادي يقال في لغة التخاطب، وليست لهذا الضرب الضرب قيمة أدبية، إلا ما يجرى فيه أحيانا من أمثال وحكم، وأما الضرب الثاني، فهو النثر الذي يرتفع فيه أصحابه إلى لغة فيها فن ومهارة وبلاغة، وهذا الضرب هو الذي يعنى النقاد في اللغات المختلفة ببحثه ودرسه، وبيان ما مر به من أحداث وأطوار، وما يمتاز به في كل طور من صفات وخصائص، وهو يتفرع إلى جدولين كبيرين، هما الخطابة والكتابة الفنية -ويسميها بعض الباحثين باسم النثر الفني- وهي تشمل القصص المكتوب، كما تشمل الرسائل الأدبية المحبرة، وقد تتسع فتشمل الكتابة التاريخية المنمقة.
ومن يرجع إلى العصر الجاهلي، وأخباره يجد هذا الضرب الأخير من النثر يلعب دورا مهما في حياة العرب حينئذ، إذ كان عرب الجاهلية مشغوفين بالتاريخ والقصص عن فرسانهم ووقائعهم وملوكهم، يقطعون بذلك أوقات سمرهم في الليل وحول خيامهم، وقد دارت بينهم أطراف من أخبار الأمم المجاورة لهم ممتزجة بالخرافات والأساطير، ففي السيرة النبوية أن النضر بن الحارث المكي، كان يقص على قريش أحاديث عن أبطال الفرس أمثال رستم وإسفنديار1، وأكثر ما كان يستهويهم من القصص أحاديث قصاصهم عن