استطاعت مصر في العصر الحديث، أن تنهض نهضة واسعة في النثر العربي، وقد بدأت هذه النهضة في القرن التاسع عشر، منذ أرسلت البعوث إلى أوربا، فإن هذه البعوث لما رجعت، أخذت تفكر في إدخال بعض ما تعرفت عليه من الآداب الأوربية، فظهرت فكرة الترجمة، وبدأت هذه الترجمة مقيدة، على نحو ما نعرف عند رفاعة الطهطاوي في ترجمته "تليماك"، فإن من يرجع إلى هذه الترجمة يجدها مقيدة بالسجع المتكرر القوافي، كما يجدها مقيدة بالبديع، وهو أسلوب لا يختلف كثيرًا عما ألفناه في العصر الأيوبي، وما بعده من أساليب. ولكنا لا نتقدم إلى النصف الثاني من القرن الماضي، حتى نجد تحولًا واسعًا يحدث في النثر المصري وصياغته، إذ مل الكتاب زي السجع والبديع، وهو ملل يرجع في الواقع -إلى أن الذين تعلموا في أوربا، ثم عادوا وأرادوا أن يعبروا في لغتهم عما تعلموه، وجدوا هذه اللغة لا تستطيع أن تؤدي ما في نفوسهم، وعقولهم من معان بسبب ما صارت إليه من التحجر في أساليب السجع والبديع، حينئذ فكرت هذه الجماعة أن تهجر هذا الزي القديم، إلى زي أكثر ملاءمة لمعانيها، وما تريد التعبير عنه، وساعدها على ذلك أن مطبعة بولاق، أخذت تخرج كتبًا لأعلام العباسيين الأول من مثل كتاب كليلة ودمنة، وليس فيها سجع ولا بديع، وبالغ نفر من هذه الجماعة، فدعوا إلى نبذ اللغة العربية جملة، وأن يستخدم المصريون مكانها اللغة العامية على نحو ما نعرف عند عثمان جلال. وسرعان ما اصطدمت هذه الجماعة المجددة، التي تعلمت في أوربا بجماعة محافظة لم تذهب إلى أوربا، بل اكتفت بما تعلمته في الأزهر، وبما عرفته من صياغة السجع والبديع الشائعة، فنفرت من آراء الجماعة الأولى بدعوتها خروجًا على التقاليد، وانتهاكًا لحرماتها المقدسة.