المماليك فتقبل؛ لأن الأسلوب كان جزلا رصينًا فيستطيع القيام بها، أما في هذا العصر فالأسلوب واه ضعيف لا يكاد يقوم، ولعل ذلك ما جعل الشهاب الخفاجي، يقول في مقدمة كتابه "ريحانة الألباء": "إن الأدب في هذه الأعصار، قد هبت على رياضه ريح ذات إعصار، حتى أخلقت عرى المحامد، واسترخى في جريه عنان القصائد، وتقلصت أذيال الظلال، وخطب البلاء على منابر الأطلال، وعفا رسم الكرام، فعليه مني السلام"1، وامض في ريحانة الألباء، فستجد صاحبها يتصنع لمصطلحات النحو، كما يتصنع لألوان البديع، وما نزال في أساليب غثة، حتى نوفي على آخر الكتاب، فإذا صاحبه يؤلف مقامات كلها مأخوذة من مقامات الحريري بألفاظها، ومعانيها وأساليبها، ونحن لا نتلومه، كما تلوم هو سري الدين بن الصائغ "لمكاتبات معسولة الألفاظ مدنسة المعاني، جربت بينه وبين ابن نجيم، وأكثرها من رسالة ابن زيدون منحولة المباني"2، فإن هذه كانت طاقة العصر، إذ لم يعد هناك مجال للتجديد والابتكار، فالقوم يعيشون على التقليد، واجترار أعمال السابقين، فإن هم تركوا هذا الاجترار، والتقليد لم نكد نجد لهم شيئًا قيما يمكن أن نعنى به، فقد جمدت الكتابة الفنية بمصر جمودًا، بل قل لقد تحجرت تحجرًا، إذ أجدبت الحياة الفنية، وأصبحت مواتًا خالصًا، أو ما يشبه الموات، ولم يعد من الممكن أن تعود لها النضرة، أو تدب فيها الحركة، إلا إذا تضافرت جهود هائلة، تخرج من عالمها الكئيب المظلم إلى عالم جديد مشرق، فيه نور، وفيه حياة، وفيه بعث وأمل، وابتسام.