وفصاله على عليه فاطمة، وأن يحبب إلينا كل ما يلهي عن الأمول والأولاد من عزو وجهاد، وأن لا تقصف أرواحنا إلا في فود أو في فؤاد، ولا تجز غير شعور ملوك التتار تتوج بها رءوس الروماح، ويصعد بها على قمم الصعاد1، ولا شغل الله لب المولى بفادحة، ولا خاطرة بسانحة من الحزن ولا بارحة، ولا أسمعه بغير المسرات من هواتف الإبهاج صادحة".
وأكبر الظن أنه قد اتضحت للقارئ طريقة محيي الدين، وهي طريقة تقوم على التصنع، وهو تصنع ينتهي به إلى أن يكثر من الجناس المعكوس، وهو لا يكتفي بهذا الجناس وما فيه من مشقة، بل نراه يذهب مذهبًا بعيدًا في استخدام التورية، وقد كان يستهدف لها في جميع كتاباته، إذ كانت أهم لون شغف به الكتاب في عصره، وكانوا يدلون بها على مهارة الكاتب وبراعته، وقد ورى محيي الدين في هذه القطعة مرتين مرة في قوله: "ومن قيل لبناء مالك هذا عليه وقد وهي، قيل: هذا خير منه ومن أعلى بناء سعد أشرف"، فإن كلمة أشرف هنا لا يريد بها معنى الصفة، وإنما يريد به الإشارة إلى ولي العهد الجديد لقلاوون، بعد وفاة علي الملقب بعلاء الدين، وهو الملك الأشرف خليل، ونستمر فنجده يوري مرة أخرى في قوله: "وأن يجعلها بعد حمل هذا الهم، وفصاله على عليه فاطمة" فقد جاء بفاطمة مع علي وهو يريد هنا الصفة، وواضح أنه ذكر هنا الفصال حين ذكر الحمل كما ذكر فاطمة حين ذكر عليًّا، وهو ما يسمى عند أصحاب البديع بمراعاة النظير، وليس هذا كل ما في القطعة من تصنع، ففيها اقتباس واسع من آي الذكر الحكيم، وفيه أيضًا تضمين للشعر، تارة يضمن بيتًا، وتارة يضمن شطرًا في مثل قوله: "والشمس طالعة إن غيب القمر"، أيضًا في القطعة تصنع للذكر المبتدأ والخبر، أرأيت كيف تؤلف الرسائل عند أشهر كتاب العصر المملوكي؟ إنها تؤلف من ألواب البديع، واصطلاحات العلوم وتضمين الأبيات والأشعار، والاقتباس من آي الذكر