أساليب القرآن الكريم؛ لأن فيها حذفًا كثيرًا، فذهبوا يتأثرونها في هذا الجانب، ولا تظن أن الاكتفاء ظهر لأول مرة في تلك العصور، فهو قديم إذ نجده في العصر الفاطمي، عند ابن قادوس1، كما نجده من بعده في العصر الأيوبي2، ونستمر فنجده في هذا العصر عند ابن نباتة وغيره، وإنه لينبغي أن نقف وقفة قصيرة عند أشهر كتاب هذا العصر، وهو محيي الدين بن عبد الظاهر حتى تتراءى لنا طبيعة الكتابة في العصر المملوكي، وما تتسم به من شارات أدبية فنية.

محيي الدين بن عبد الظاهر:

عاش محيي الدين في القرن السابع الهجري، إذ توفي عام 692 للهجرة3، وقد ولي ديوان الإنشان في عهد بيبرس، وقلاوون وابنه الملك الأشرف خليل4، وكان له فضل كبير في وضع مصطلحات ديوان الإنشاء لهذه العصور، وقد استمر الكتاب من بعده يلتزمون هذه المصطلحات، وإن في هذا الالتزام ما يدل على قيمته لدى معاصريه، فقد كانوا جميعًا يشيدون به، يقول النويري: "كان محيي الدين أجل كتاب العصر، وفضلاء المصر وأكبار أعيان الدول، والذي افتخر بوجوده أبناء عصره على الأول، له من النظم الفائق ما راق صناعةً وحسنًا، ومن النثر الرائق ما فاق بلاغة ومعنى، فقصائده مدونة مشهورة، ورسائله بأيدي الفضلاء ودفاترهم مسطورة، وكلامه كاد يكون لأهل هذه الصناعة وعليهم حجة، وطريقه في البلاغة أسهل طرق، وفي الفصاحة أوضح محجة"5، وإذ رجعنا نبحث هذه الطريقة التي يشير إليها النويري، وجدناه هي الطريقة الفاضلية نفسها6، فمحيي الدين يستخدم البديع، ويتصنع لاصطلاحات العلوم، ويكثر من الاقتباس لآي الذكر الحكيم،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015