الإنشاء عندهم إلى مرتبة الوزارة، وقد كتبت في هذا العصر أكبر الموسوعات الأدبية من مثل مسالك الأبصار لابن فضل الله العمري، و"صبح الأعشى في صناعة دواوين الإنشاء" للقلقشندي، و"نهاية الأرب" للنويري، و"الخطط" و"السلوك" للمقريزي، ولولا هذه الكتب ما استطعنا اليوم أن نؤرخ للحركات الأدبية في مصر أثناء العصور الوسطى، ويظهر أن القوم اتجهوا هذا الاتجاه في التأليف مخافة ضياغ العلم، إذ فقد كثير من الكتب حتى عصرهم، فرأوا أن يكتبوا موسوعات تغني عن الكتب المختصة بكل عهد وكل عصر، ومن أهم كتب التاريخ الكبيرة في هذه العصر، كتاب النجوم الزاهرة لابن تغري بردي، وعقد الجمان للعيني.
وأكثر كتابات هذا العصر ينتشر فيها السجع، ومن الكتب التاريخية التي بنيت على السجع بناء كتاب "عجائب المقدور في نوائب تيمور" لابن عرب شاه، واستمرت كتابات الرسائل في هذا العصر، مطبوعة بالطابع الذي رأيناه عند القاضي الفاضل، من ميل إلى استخدام ألوان البديع من جناس وطباق، وتصوير ثم الاقتراض من ألفاظ العلوم ومصطلحاتها، ومن أشهر كتاب هذا العصر ابن فضل الله العمري، وابن نباتة، ومحيي الدين بن عبد الظاهر، وهو أشهر الثلاثة، وكتاباتهم جميعًا تمتاز باستخدام فنون البديع وألفاظ العلوم، وعنوا عناية خاصة بلون التورية، كقول ابن نباتة من توقيع لشخص بنظر مدرسة1:
"وكيف لا وهو نعم الناظر والإنسان، وفي مصالح القول، والعمل ذو اليدين واللسان، وذو العزائم الذي تقيدت في حبه الرتب، ومن وجد الإحسان".
فقد ورى في الناظر والإنسان تورية واضحة، ولم يكتف بذلك، بل رأيناه يعمد إلى الاقتضاب في آخر العبارة، أو ما كانوا يسمونه حيئنذ بالاكتفاء، إذ ختم عبارته بقوله: "ومن وجد الإحسان"، وقطع وهو يريد الشطر المشهور، "ومن وجد الإحسان قيدا تقيدًا"، وهذا الاكتفاء إنما جاء من استخدام