"كتابنا -أطال الله بقاء المليك- عن مودة ظاهرة الأسباب، متظاهرة الأنساب، ضافية جلباب الشباب، وعوائد عوراف لا يتنكر معروفها، ووفود فوائد لا يتصدع تأليفها، ومساعي مساعد لا ينقض معروفها، ولا ينقض مسوفها1، وسعادة بالخلافة التي عذق2، به أمرها، وأوضح سرها، وملأ سرائرها وسريرها، وأطلع شمسها وقمرها".

وهذه الصورة من التعبير، وما يطوى فيها من تشخيص وجناس، وإمعان في هذا الجناس هي الصورة العامة لكتابة القاضي الفاضل؛ ومن يرجع إلى بقية هذه الرسالة في صبح الأعشى، يجد فيها ما اشتهر به من اقتباسه لآي الذكر الحكيم، كما يجد اهتمامه البالغ بالتنظير، بحيث لا نغلوا إذا قلنا: إن فن القاضي الفاضل استوى له نهائيًا في العصر الفاطمي، ونحن نعرض على القارئ قطعًا من رسالة تعبر أشهر ما دبجه -وهي رسالته عن صلاح الدين إلى الخليفة ببغداد، يزف إليه البشرى بفتح بيت المقدس- حتى يطلع على خصائصه الأدبية في أروع أثر أدبي عني به وبتدبيجه، وهو يستهلها على هذا النمط3:

أدام الله الديوان العزيز النبوي الناصري، ولا زال مظافر الحد بكل جاحد غني التوفيق، عن رأي كل رائد، موقوف المساعي على اقتناء مطلقات المحامد، مستيقظ النصر والسيف في جفنه راقد، وارد الجود والسحاب على الأرض غير وارد، متعدد مساعي الفضل وإن كان لا يلقى إلا بشكر واحد، ماضي حكم القوم بعزم لا يمضي إلا بنسل غوي وريش راشد، ولا زالت غيوث فضله إلى الأولياء أنواء إلى المرابع، وأنوارًا إلى المساجد، وبعوث رعبه إلى الأعداء خيلًا إلى المراقب، وخيالا إلى المراقد".

وأنت ترى القاضي الفاضل في هذه القطعة الصغيرة عني -كما عني في مستهل الرسالة العاضدية- بألوان البديع وخاصة لون الجناس، وذهب يطيل في عباراته، حتى يحقق ما يريد من جناس وتنظير وتشخيص، وما من شك في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015